شىء فالله يخلفه. وفى السورة عن «عبدة الجن» ، أو «عبدة الشيطان» كما اشتهر اسمهم فى مصر بوجود فرقة لهم فيها ، أنهم يؤدون الصلوات للشيطان ، بأفعال داعرة ، وسلوكيات ماجنة ، ويفترون على القرآن والنبىّ صلىاللهعليهوسلم ، ويخاطبهم الله تعالى على لسان رسوله صلىاللهعليهوسلم يقول : (إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ) (٤٦) ، والواحدة هى قول «لا إله إلا الله» ، وأن يقوموا إلى طلب الحقّ وحدانا ومجتمعين ، وأن يتفكّروا : هل رأوا فى نبيّهم صلىاللهعليهوسلم كذبا ، أو جنّة ، أو فسادا؟ أو هل شاهدوه يختلف إلى أحد يدّعى السحر ، أو تعلّم القصص على كافر؟ ولم يحدث أن سألهم أجرا على ما يبلّغهم به ، ولو كان على الضلال كما قالوا فإنما يضل على نفسه ، ويوم القيامة يبعثون فزعين ، ولا نجاة لهم ، وهم من الله قريب ، وعندئذ يؤمنون وأنّى لهم الرجعة إلى الدنيا ليعملوا صالحا؟ وكانوا كافرين فى الدنيا ، ويرجمون بالغيب ، وينكرون أشياء من المستقبل ، ويشكّون فى الدين كل الشّك. ويوم القيامة يقذف الله بالحق ، وشعار هذا اليوم : (جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ) (٤٩). والحمد لله ربّ العالمين ، ونسأله تعالى أن نكون من الناجين ، وأن يجعلنا على الدين وعلى كتابه القرآن المبين.
* * *
٦١٦. سورة فاطر
السورة مكية ، نزلت قبل هجرة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وكان نزولها بعد سورة الفرقان ، وترتيبها فى المصحف الخامسة والثلاثون ، وفى التنزيل الثالثة والأربعون ، وآياتها خمس وأربعون ، واسمها «فاطر» لابتدائها بالحمد لله فاطر السموات والأرض ، وفاطر يعنى المبتدئ والمخترع ، تقول : أنا فطرتها أى ابتدأتها ، تنبّه السورة إلى أن من قدر على الابتداء فهو قادر على الإعادة ، وهو منطق صحيح. وهناك خمس سور فى القرآن تبدأ بالحمد لله ، هى : الفاتحة ، والأنعام ، والكهف ، وسبأ ، وفاطر. ومعنى الحمد لله : الثناء عليه ، والتعظيم له ، والتبجيل لاسمه تعالى ، لأنه خلق السموات والأرض على غير مثال ، وخلق الملائكة وسائط لهم أجنحة تتباين أعدادها باختلاف وظائفهم ، وهو الله يزيد فى الخلق ما يشاء ، وينقص ما يشاء ، ويرزق من السماء بالمطر ، ومن الأرض بالزروع. وهذه الآيات حجة على القدرية ، لأنها تنفى أن يكون ثمة خالق غير الله ، والقدرية يثبتون معه خالقين ـ وتحفل السورة بالأمثال والحكم. والرسول صلىاللهعليهوسلم ليس بدعا بين الرسل ، فإن كان كفّار مكة كذّبوه ، فإن الناس كذّبوا الرسل قبله ، والسورة لتعزية النبىّ صلىاللهعليهوسلم وتسليته ، وليتأسّى بمن قبله فى الصبر ، وليطمئن أن كل ما وعد به حقّ : سواء البعث ، أو الثواب والعقاب ،