وكتب الله يتوارثها المصطفون ، ومن الناس الظالم لنفسه الذى يعمل الصغائر ، ومنهم المقتصد الذى يؤمن ويعصى ، ومنهم السابق التقىّ على الإطلاق ، والمؤمنون المخلصون لهم الجنة ، وفيها يحمدون الله أن أذهب عنهم الحزن والهمّ ، والذين كفروا لهم نار جهنم ، خالدون فيها ويصطرخون : ربّنا أخرجنا منها نعمل صالحا ، فيقال لهم ذوقوا ما كنتم تعملون ، وله تعالى الغيب ، ويعلم ما فى الصدور ، وجعل الناس خلائف فى الأرض ، ويمسك السموات والأرض أن تزولا ، فلما ذا إذن الكفر بالله؟ والكافرون لا يزيدهم كفرهم عند ربّهم إلا مقتا ، وكانوا قبل أن يجيئهم النذير يتمنون لو يأتيهم نذير ، فلما جاءهم استكبروا ، ومكروا مكر السوء ، والمكر السيئ لا يحيق إلا بأهله ، فهلا سار هؤلاء فى الأرض فنظروا عاقبة عاد وثمود وفرعون من الأمم البائدة لمّا كفروا؟ والله قد سنّ العذاب للكافرين ، ولو أخذ الناس بما كسبوا ما ترك على ظهر الأرض من دابة ، ولكن يؤخّرهم إلى يوم القيامة ، فهذا أجلهم معه تعالى ، والحمد لله ربّ العالمين.
* * *
٦١٧. سورة يس
السورة مكية ، وترتيبها فى المصحف السادسة والثلاثون ، وفى التنزيل الواحدة والأربعون ، وآياتها ثلاث وثمانون ، إلا الآية ٤٥ فمدنية ، وكان نزولها بعد الجن ، واسمها «يس» مما افتتحت به ، وقيل : يس بمعنى «يا رجل» ، أو «يا سيد» ، أو «يا إنسان» ، أو أنه اسم للنبىّ صلىاللهعليهوسلم ، كقوله تعالى : (سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ) (١٣٠) (الصافات) أى على آل محمد ، واستدل من قالوا على أن يس اسم للنبىّ صلىاللهعليهوسلم ، أنه تعالى خاطبه بعد ذلك مباشرة فقال : (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) (٣) والخطاب للنبىّ صلىاللهعليهوسلم. واستدلوا أيضا بالحديث : «لى عند ربى عشرة أسماء» ، ذكر منها «طه» و «يس» وبالحديث الآخر : «إن الله تعالى أسمانى فى القرآن ستة أسماء : محمد ، وطه ، ويس ، والمزمّل ، والمدثّر ، وعبد الله». وقيل : بل يس اسم من أسمائه تعالى ، وأنه أقسم به وإن كان بمعنى النداء. ـ والصحيح أن يس من الياء والسين ، حرفان كغيرهما من الحروف المقطّعة فى بدايات بعض السور ، مثل الم ، وكهيعص. والسورة تستهل بالتذكير بآية الله الكبرى : القرآن ، وبها يثبت أن محمدا صلىاللهعليهوسلم من المرسلين ، لينذر قومه ، ويضرب لهم مثل القرية التى أرسل إليها نبيّان ، وعزّرا بثالث ، فلم يؤمن أهلها ، فأهلكهم الله. وتعرض السورة لبعض آياته تعالى فى الكون ، وكلها أدلة على قدرته تعالى ، لعل الناس يؤمنون ، ولعلهم يعملون الخير ، فلا هم آمنوا ولا فعلوا الخير ، ولجّوا فى طغيانهم. وتترى الآيات تذكّرهم بيوم القيامة وأهواله ، وما يكون عليه