الشَّكُورُ) (١٣) تنبيه وتحريض ، وكان عمر يدعو ربّه ويقول : اللهم اجعلنى من القليل! ـ أى ممن يشكرون. وسليمان هو الذى بنى الهيكل وتفرّغ له ، وكان يجلس قبالته يرقب العمال ويدلّهم ، فما علموا بموته إلا لمّا أكلت الأرضة العصا ، فوقع من طوله. وفى الآية : (تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ) (١٤) دليل على أن الجن لا تعرف الغيب ، على عكس ما يدّعى الناس! وذكر سليمان يستدعى ذكر «سبأ» ، وقصتا داود وسليمان ترويان عن الصالحين إذا وهبوا أنفسهم للصلاح ؛ وقصة سبأ تروى فى المقابل ، عن الكافرين ومآلهم ، فكانت سبأ جنة لمّا كان أهلها مؤمنون ، فلمّا كفروا دمّرهم الله بسيل العرم ، وهدم لهم سد مأرب ، قيل : بنته بلقيس صاحبة سليمان ، وخرب السيل الزروع والبساتين ، وبدّلهم الله بجنتين من الخمط أى شجر الشوك ، والأثل والسّدر وهما نوعان من الأشجار ، ثمارهما عفصة لا تؤكل ، وجزاء سيئة سيئة مثلها : (وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ) (١٧) ، والمؤمن يجزى ، والكافر يجازى. وأمثال هؤلاء : (صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ) (٢٠) ، وظنّ إبليس فيما قال : (لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) (٣٩) (الحجر) ، وقوله : (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) (١٦) (الأعراف) ، ويوم القيامة لا تنفعهم شفاعة الشافعين ، ويفتح الله بينهم وبين الذين آمنوا بالحق ، والنبىّ صلىاللهعليهوسلم أرسل لهؤلاء وهؤلاء ، ويوم القيامة لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ، وهو البشير والنذير لكافة الناس ، والناس إما مستضعفون وإما مستكبرون ، والذين يستكبرون يغوون المستضعفين ، ويصدّونهم عن الهدى ، ولو لا مكر الليل والنهار لآمن المستضعفون. ومن أوصاف الكفّار يوم القيامة هذا المكر بالليل والنهار فى الدنيا ، ثم إسرار الندامة فى الآخرة ، وإسرارها يعنى أن تكون الندامة فى القلب ولا تظهر على السرائر ، وذلك باب من أبواب علم النفس الإسلامى. وفى القرآن يأتى عن «المترفين» ثمانى مرات ، وهم الأغنياء أصحاب السلطان ، وفيهم يقول تعالى : (وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها) (١٦) (الإسراء) ، والأصح فى الآية أن تقرأ «أمّرنا» بتشديد الميم ، يعنى إذا آل الأمر والحكم إلى المترفين ، عمّ فيها الفسق فى البلاد فتستحق الخراب. وفى سورة سبأ فإن المترفين هم المعارضون للنبوّة ، وللإصلاح ، وأن تسود القيم والفضيلة ، وهؤلاء يتيهون بأموالهم وأتباعهم ، ويوم القيامة يضاعف لهم العذاب بما عملوا ، وهم فيه محضرون ، تحضرهم الزبانية ، ودأب المترفين الافتراء على الله ، وعلى الإسلام ، وتسخيف دلائل وبراهين وجوده تعالى ، وتحقير صفاته. وأما المؤمنون فلهم الغرف فى الجنة ، والغرفة هى الموضع والمأوى ، والسورة تأمر النبىّ صلىاللهعليهوسلم أن ينهى المغترّين بأموالهم ، وأن يطلب إليهم أن ينفقوها فى سبيل الله بدلا من إنفاقها فى الإفساد ، وما ينفقون من