وفى إبطال أدلة التوحيد ، ويحسبون أنهم يفوتون على الله ، ويكذّبون من فرط إنكارهم ، كقولهم : (هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) (٧) ، لأنه كان ينبئ بالبعث ، فنكّروه ، وأشاروا إليه كأنه مجهول يتكلم فى أمر مجهول ، يقصدون السخرية منه والاستهزاء به ، وأخرجوه مخرج التحكّى ببعض الأحاجى ، يتضاحكون بها ويتلهون. وقوله : (مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ) (٧) يعنى بليتم فى القبور ، وصرتم ترابا وعظاما نخرة وأشلاء ، والمزق خرق الأشياء. وقالوا فى النبىّ صلىاللهعليهوسلم : (أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ) (٨) ، والافتراء الاختلاق ، والألف المفتوحة للاستفهام ، «وبه جنّة» أى جنون فهو يتكلم بما لا يدرى ، مع أن الله تعالى كرّمه أحسن التكلّم ، وهو تعالى يشمل أنبياءه بكرمه ، من هؤلاء داود وسليمان ، وتقول السورة عن داود : (وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (١٠) أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) ، ونفهم أن الجبال والطير كانت تسبّح معه ، وتسبيحها يعنى ترجيعها ، وإلانة الحديد له تسخيره ، فكان داود يصنع منه الدروع السابغات ، ويقدّر فى السرد ، أى يجمع فيها بين الخفة والثقل ، والسّرد هو نسج حلق الدرع ، وصانعه يقال له السرّاد والزرّاد ، والآية دليل على وجوب تعلّم أهل العقل الصنائع ، وأن التحرّف (يعنى اتخاذ الحرف) لا ينقص من قدر الكبراء بل يزيدهم فضلا ، وفى الحديث : «إن خير ما أكل المرء من عمل يده ، وإن نبىّ الله داود كان يأكل من عمل يده». وأما سليمان فقال تعالى فيه : (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ (١٢) يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ) (١٣) فسخّر الله له الريح ، تغدو شهرا وتروح شهرا ، يعنى سخّرت له مرة كل شهر تحمله عليها ؛ وأسال له عين القطر ، أى النحاس ، فاستخدم الجن فى صناعته محاريب وتماثيل وجفانا كالجواب ، وقدورا راسيات ؛ والمحراب الذى يصلّى فيه ؛ والتماثيل صور على مثل إنسان أو حيوان ؛ والجفان القدور ؛ والجواب جمع جابية ، أى القدر العظمة ، كأن تكون أحواضا ؛ والقدور الراسيات لثقلها فهى لا تنقل ، وكانت قدور عبد الله بن جدعان فى الجاهلية من ذلك ، وكانوا يصعدون إليها بسلم! ومعنى الآية أن سليمان ـ وكان يصنع التماثيل ـ لم يكن ضد الصور ، إلا أنه فى التوراة نهى أن تعمل تماثيل للإله ، ومع ذلك الآية دليل على إباحة التماثيل طالما هى ليست للتعبّد. والحكمة فى إزالة الصور فى عهد النبىّ صلىاللهعليهوسلم ، أنه بعث والتماثيل والصور تعبد ، فأمر بإزالتها ونهى عنها ؛ وأمّا الآن فالأمر مختلف ، ولا أحد يتعبّد الصّور ولا التماثيل إلا فى المسيحية والبوذية. وفى قوله تعالى : (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ