صادقون أوفوا بعهدهم مع الله ، ومنهم من قضى نحبه ، ومنهم من ينتظر وما بدّلوا ولا تحوّلوا. وانتهت الغزوة بدحر الغزاة ، وكفى الله المؤمنين شرّ القتال. وكان النبىّ صلىاللهعليهوسلم ـ لمّا رحلت الأحزاب ـ قد تجهّز لغزو بنى قريظة ، لنقضهم العهد معه ، وعونهم للمشركين ، فأنزلهم من حصونهم ، وقذف الله فى قلوبهم الرعب ، وقتل المسلمون فريقا منهم وأسروا فريقا ، وورثوا أرضهم وديارهم وأموالهم ، وبذلك ينتهى الكلام عن غزوة الأحزاب. وهذا المال الذى كسبه المسلمون يذكّر بأحوال بعضهم التى كانت متردّية من قبل ، والمثل على ذلك النبىّ صلىاللهعليهوسلم ، وكان أزواجه قد طالبوه بزيادة النفقة فخيّرهن بين الطلاق وبين الاستمرار معه ، ولهن الدار الآخرة ونعيمها ، وسيجازى الله المحسنات منهن. وظنن أن غنائم بنى قريظة سيكون له فيها النصيب الأوفى ، وأنه سيوسّع عليهن ، فأنزل القرآن يحذرهن ، فأيّما ذنب يذنبن له عذاب مضاعف ، فهن لسن كالنساء ، ومن تقنت منهن يؤتها الله أجرها مرتين ، ووعظهن أن لا يخضعن فى القول ، ولا يترققن فى الكلام ، فيطمع الطامعون فيهن ، وأن يقرن فى بيوتهن ، ولا يتبرّجن تبرّج الجاهلية من الزمن الغابر ، ولا ينبغى أن نفهم أن لزوم البيت يمنع من أن تشارك المرأة ـ حتى لو كانت زوجة للرسول صلىاللهعليهوسلم ـ فى الحياة العامة ، فعائشة كانت تحضر معه صلىاللهعليهوسلم الغزوات ، وكانت تمرّض المرضى ، وتحمل السقاء ، وكانت تؤم النساء فى الصلاة ، وتؤذّن ، وتخطب فى الرجال ، وتشافههم فى الفتاوى ، وترسلها إليهم فى رسائل ، وتدخّلت فى كثير من القضايا لتحلّها وتيسّر على الناس حياتهم ، وخرجت إلى البصرة لتصلح بين المسلمين ، وهاجمها علىّ وجماعته ، فلم تفر وصمدت. ونساء الرسول صلىاللهعليهوسلم كن يقمن الصلاة ويأتين الزكاة ، ووعظتهن الآيات بطاعة الله ورسوله ، وأن يذكرن ما يتلى فى بيوتهن من القرآن ، وما يقال فيها من أحاديث الرسول صلىاللهعليهوسلم ، وما يجرى من أفعاله ، والله أعدّ لهن وللمسلمات عامة أحسن الجزاء. واستطردت الآيات إلى قصة زيد بن حارثة وزينب بنت جحش ، وما كان من أمر قسرها على الزواج من زيد ، ثم ما كان من شكوى زيد منها ، فلما طلّقها زيد تزوّجها الرسول صلىاللهعليهوسلم بأمر من السماء ، والسبب ليس حبّه لزينب كما قال المرجّفون والمنافقون واليهود ، وإنما كما يقول القرآن : (لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً) (٣٧) ، أى لإسقاط نظام التبنّى ، ونظام تحريم زوجة الابن بالتبنّى ، لأنه ليس ابنا على الحقيقة ، فبنوته وهم. فلمّا حرّم الله على زيد أن يقدّم نفسه فيقول إنه زيد بن محمد ، عوّضه فذكره فى القرآن بالاسم ، يتلوه المسلمون تكريما وتشريفا له ، فذلك قوله تعالى : (فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها) (٣٧) ، وكانت زينب تفخر بقوله تعالى :