بعد الموت ، وفاتهم أن الموت ليس حدثا كالأحداث ، ولكنه فعل موكول به ملك هو عزرائيل ، يتوفى الناس ، ويستوفى الأرواح ويقبضها. وتخاطب السورة النبىّ صلىاللهعليهوسلم ، مخاطبة لأمّته ، تقول : لو رأيت هؤلاء المنكرين يوم القيامة لرأيت العجب ، لأنهم يومها يتذللون ويدعون لو يعودوا للدنيا ليفعلوا الخير! والله قد آتاهم الفرصة ولكنهم ضيّعوها وكفروا ، ولو شاء الله لهدى الناس ولكنه شاء أن يجعلهم مخيّرين ، فلما اختاروا الضلال أدخلوا جهنم ليذوقوا العذاب ، فقد تركوا طاعة الله فى الدنيا ، فتركهم الله فى الآخرة ولم يشملهم برحمته. ثم تعود السورة تذكّر القرآن ، وأنه الكتاب الذى لا يؤمن به إلا من يترك الاستكبار ، ويخضع لله ويطيع ، وكان كفّار مكة يستعظمون أن يسجدوا لله ، والمؤمنون تتجافى جنوبهم عن المضاجع ، ويسهرون الليل يصلّون ويسبّحون بحمد ربّهم ، خوفا وطمعا ، وينفقون مما آتاهم. وهؤلاء لهم من وجوه النعم يوم القيامة ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، وهذه الكرامة إنما هى لأعلى أهل الجنة منزلا ، والجنة منازل ، والمؤمنون أخفوا أعمالهم فأخفى الله تعالى لهم ما فيه قرّة أعينهم. وليس المؤمن كالفاسق ، ولا يستويان ، والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات المأوى ، يأوون إليها نزلا ـ أى ضيافة ، والذين فسقوا لهم النار ، كلما أرادوا الخروج منها أعيدوا إليها. ولهم فى الدنيا العذاب الأدنى من المصائب والأسقام والابتلاءات ، وفى الآخرة لهم العذاب الأكبر. ولا أظلم لنفسه ممن يذكّر بآيات ربّه ثم يعرض عنها. وتضرب السورة المثل فى الإيمان بموسى ، تسلية وتذكيرا للنبىّ صلىاللهعليهوسلم ، بأنه سيلقى ما لقاه موسى من التكذيب والأذى ، وأن القرآن سيلقى المعارضة كما لقى التوراة ، وهو كتاب موسى ، من المعارضة ، فأما الذين آمنوا بموسى وكتابه فهؤلاء هم المهديون ، وجعلهم الله أئمة للمؤمنين يقتدون بهم لأنهم صبروا ؛ وأما الكافرون فقد أهلكهم الله ، وآثارهم تملأ الدنيا ، وتدل على ما لقوا جزاء وفاقا بما كانوا يجحدون ، ودليل الآثار من أدلة وجود الله وقدرته. ودليل آخر على البعث هو دليل الماء ، يسوقه الله إلى الأرض الجدباء فتخرج الزرع ، فذلك مثل البعث. ويوم البعث أو يوم القيامة ، أو «يوم الفتح» ، لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ، ولا هم ينظرون ـ أى يؤخّرون للتوبة ، لأنه لا توبة يوم القيامة.
وتختتم السورة كما بدأت ، بالكلام إلى الرسول صلىاللهعليهوسلم : (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ) (٣٠) يعنى أعرض عن سفههم ، ولا تجبهم إلا بما أمرت به ، وانتظر يوم الفتح ، يوم يحكم الله لك عليهم ، ويوم يهلكون ، وإنهم لأحقّاء بأن ينتظر هلاكهم. والحمد لله ربّ العالمين.