هذا الحد ، وأن الآيات من بعد هى من أقواله لابنه وللناس كافة ، فالله سخّر السموات والأرض للإنسان ، وأسبغ عليه نعمه ، فلما ذا الجدل فى الله بغير علم ولا هدى؟ ولما ذا اتّباع السلف والآباء حتى لو كانوا على الباطل؟ والمؤمن المحسن هو الذى يسلم وجهه لله ، ويخلص فى عبادته وقصده إليه ، ويستمسك بالعروة الوثقى ، وهى شهادة لا إله إلا الله ، والكافر يمتّعه الله قليلا ثم يضطره إلى العذاب الغليظ. ولو سئل الكفرة : من خلق السموات والأرض؟ لقالوا : إنه الله. أفهى فقط السموات والأرض كل معجزات الله؟ بل معجزاته لا تعدّ ولا تحصى ، ولو أن الأشجار صارت أقلاما ، والبحار مدادا ، فكتب بها الله تعالى عجائب صنعه الدالة على قدرته ووحدانيته ، لما نفدت تلك العجائب ولنفدت كل الأشجار والبحار. وإنه لأهون على الله أن يعيد الخلق كما بدأه ، وما خلق الخلق ولا بعثهم إلّا كخلق نفس واحدة وبعثها ، وهو القادر الذى يولج الليل فى النهار ، والنهار فى الليل ، وسخّر الشمس والقمر ، والله حقّ وما يدعونه باطل ، وهو العلىّ الكبير ، علىّ فى مكانته ، وكبير فى ملكه وسلطانه. وهو الذى يجرى الفلك فى البحر ، ويلجأ إليه المضطر إذا غشيه الموج ، وما يجحد بآياته إلا المكذّب الجاحد. وتختتم السورة بدعوة الناس إلى أن يتّقوا ربّهم ، ويخشوا يوما لا يغنى فيه الوالد عن ولده ، ولا يجزى فيه المولود عن والده. والبعث حقّ فلينفضوا عنهم الغرور ، وهو الله عنده علم الساعة ، وينزّل المطر ، ويعلم ما فى الأرحام ، ويعلم الغد ، وبأى أرض تموت كل نفس ، وهو العليم الخبير ، كقوله تعالى : (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ) (٥٩) (الأنعام) وما كان لقمان نبيا وإنما عبد صالح ، كثير التفكّر ، وحسن اليقين ، واختار الحكمة ، وحكمه كثيرة ومأثورة ، والحمد لله ربّ العالمين.
* * *
٦١٣. سورة السجدة
السورة مكية ، إلا من ثلاث آيات نزلت بالمدينة ، هى قوله تعالى : (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ (١٨) أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى نُزُلاً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٩) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) (٢٠) ، قيل : نزلت فى علىّ بن أبى طالب والوليد بن عقبة بن أبى معيط ، وذلك أنهما تلاحيا وتخاصما ، فقال له الوليد : أنا أبسط منك لسانا ، وأحدّ سنانا ، وأردّ للكتيبة جسدا. فقال له علىّ : اسكت فإنك فاسق! فنزلت الآيات. وقيل : طالما نزلت فى علىّ ، وعقبة بن أبى معيط ، فهذه الآيات مكية وليست