المسلمون. وهذه الآيات من البيّنات ، وتشهد بصحة نزول القرآن من لدن الله ، وصحة نبوة النبىّ صلىاللهعليهوسلم ، لأن خبر نصرة الروم كان قبل وقوع هذه النصرة بتسع سنوات ، وهى آيات معجزات لذلك ، لأنها إخبار عن غيب ، وفيها أن الله لا يخلف وعده ، وأن له الأمر من قبل ومن بعد لو يعلمون ، ولو علموا لما عجبوا ، لأنه تعالى الذى خلقهم وخلق السموات والأرض ، وقد كان قبلهم مكذّبون عاقبهم الله ، وآثارهم تشهد عليهم ، وكما بدأ الله الخلق يعيده ، ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون ـ أى تنقطع حجّتهم ، ويتفرّق الناس ، فإمّا صالحون (فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ) (١٥) وإما كافرون مكذّبون فى العذاب محضرون. والروضة : هى البستان والجنة ، والجمع الرياض : وهى الجنان ؛ والحبور : هو السرور. وفى الجنات ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر. والأولى إذن أن يقرّ الناس بوحدانية الله ، وبقدرته وعلمه سبحانه ، وأن يسبّحوه صبحا ومساء ، ويحمدوا له عشية وظهرا. وهو الله الذى لا إله إلا هو ، يخرج الحىّ من الميت ، ويخرج الميت من الحىّ ، ويحيى الأرض بعد موتها ، وآياته فى الكون لا تحصى ولا تعدّ ، فهو الذى خلق البشر من تراب ، وخلق لكل نفس زوجها ، وخلق السموات والأرض ، وخالف بين الألسنة والألوان ، وجعل الليل للنوم والنهار معاشا ، وينزّل من السماء ماء يزرع الناس به ، فليس من سبب إذن يجعل المنكرين ينكرون البعث والمعاد ، فكما بدأ الخلق يعيده ، وإعادته أهون من خلقه. وهو الله لا شريك له ، ودينه هو الدين الحنيف المائل عن كل تحريف ، وهو فطرة الله فى خلقه ، فطر الناس عليه ، وهو الدين القيّم الجاد ، القويم المقصد. والخطاب للمؤمنين : أن يقيموا الصلاة ، ولا يشركوا بالله ؛ ولا يكونوا كاليهود والنصارى الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعا ؛ وأن يؤتوا ذا القربى حقّه والمسكين وابن السبيل ، وأن يمتنعوا عن الربا ، وأن يحذروا الفساد الذى استشرى فى الأرض فعمّ البرّ والبحر ، وأن يدركوا أن من يكفر عليه كفره ، ومن يعمل صالحا فلنفسه ، والله نعمه كثيرة وجلّى ، فالواجب أن يشكروا ، والله تعالى يرسل الرسل بالبيّنات ، فالمنكرون ينتقم منهم ، وينصر المؤمنين ، وكما يحيى الأرض بعد موتها فكذلك النشور ، والناس فى الدنيا أموات إذا كفروا ، وأحياء لو آمنوا ، والموتى لا يسمعون ، وهو الذى خلق الناس من ضعف ، ثم جعل من بعد الضعف قوة ، ثم جعل من بعد القوة ضعفا وشيبة ، ويقدر على أن يحيى من فى القبور ، ويوم الساعة يقسم المجرمون أن حياتهم فى الدنيا ما كانت سوى ساعة ، قالوا : وفى ذلك ردّ لعذاب القبر ، وكذلك الآية : (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ) (١٨) (المجادلة) ، فلو كان هؤلاء رأوا عذاب القبر لما أقسموا كذبا يوم القيامة ،