وتنتقل السورة إلى تحريض المؤمنين على الهجرة والجهاد ، وأن لا يخافوا عاقبة الخروج إلى أرض الله الواسعة ، فالله هو الذى يرزق حتى الدواب ، أفلا يرزق أنصاره؟ وهو الذى خلق الشمس والقمر والسموات والأرض ، أيعجز عن أن يرزق عباده؟ وهو الله العلى القدير ، فلا ينبغى أن يخشوا شيئا فى كنفه وحفظه ، ولو ماتوا فالجنة مصيرهم ، وما الدنيا إلا لهو ولعب ، والآخرة هى الحيوان ، أى الدار الباقية. فما بالهم لو ركبوا الفلك ولعب بهم الموج ، يدعون الله مخلصين ، فإذا نجّاهم أشركوا وكفروا بما آتاهم؟ وهذا الحرم أمّنه لهم وهم كفار ، فبينما الناس يتخطّفون من حولهم كانوا هم آمنين ، أفلا يكون أكثر أمنا لهم وهم مؤمنون؟ وتختتم السورة ببيان جزاء الصابرين فى المحن ، والمجاهدين بأنواع الجهاد فى سبيل الله ، وبوعد منه تعالى أن يكون مع المحسنين ، فلله الحمد والمنّة ، وبه التوفيق والعصمة.
* * *
٦١١. سورة الروم
السورة مكية ، نزلت بعد سورة الانشقاق ، وترتيبها فى المصحف الثلاثون ، وفى التنزيل الرابعة والثمانون ، وآياتها ستون ، وسميت «الروم» لأن من أهم موضوعاتها تنبؤها بغلبة الروم فى الآيات : (الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٣) فِي بِضْعِ سِنِينَ) (٤) وكانت فارس يوم نزلت هذه الآيات ظاهرة على الروم ، وكان المسلمون يحبون أن يظهر الروم على فارس لأنهم وإياهم أهل كتاب ، وفى ذلك نزل قول الله تعالى : (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (٤) بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (٥) ، وأما قريش فكانوا يحبون ظهور فارس على الروم ، لم يكونوا أهل كتاب ، ولا إيمان لهم ببعث ، فلما أنزل الله هذه الآيات خرج أبو بكر يصيح فى نواحى مكة : (غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٣) فِي بِضْعِ سِنِينَ) (٤) ، فقال ناس من قريش لأبى بكر : فذلك بيننا وبينكم. زعم صاحبك أن الروم ستغلب فارس فى بضع سنين! أفلا نراهنك على ذلك؟ وكان ذلك قبل تحريم الرهان ، فارتهن أبو بكر والمشركون وتواضعوا الرهان ، وسألوه : كم تجعل البضع؟ ثلاث سنين أو تسع سنين؟ فسمّ بيننا وبينك وسطا تنتهى إليه؟ فسمّوا بينهم ست سنين ، فمضت الست سنين قبل أن يظهروا ، فأخذ المشركون رهن أبى بكر ، فلما دخلت السبع سنين ظهرت الروم على فارس ، وفرح المسلمون ، إلا أنهم عابوا على أبى بكر تسمية «بضع سنين» بست سنين ، لأن البضع من ثلاث إلى تسع. وقيل : إن خبر انتصار الروم جاء إلى الرسول صلىاللهعليهوسلم يوم الحديبية ، ففرح