عناصره بسيطة إلا أن الكائنات المركبة منها هائلة وعظيمة. وبعد أن يقسم الله تعالى بالحروف يأتى فى جواب القسم السؤال الاستنكارى : أيحسب الناس أن يتركوا من غير افتنان لمجرد قولهم باللسان أنهم آمنوا ، فإذا نزلت بهم المحنة انتكسوا وارتدّوا عن الإسلام؟ فليبيننّ الله الذين صدقوا فقالوا نحن مؤمنون ، واعتقدوا مثل ذلك ، والذين كذّبوا حين اعتقدوا غير ذلك. ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه ، ولا ينبغى أن يمنعه شىء عن الله ، فحتى الوالدان لو جاهدا ولدهما ليشرك بالله فلا يطعهما. ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذى فى الله ، جعل فتنة الناس كعذاب الله. وتسترسل السورة تتحدث عن محنة الأنبياء وما لاقوه من الشدائد ، بدءا من نوح ، ثم إبراهيم ، ثم لوط ، ثم شعيب ؛ فنوح ، وهذا الأخير لبث فى قومه ألف سنة إلا خمسين عاما ، فلما استيأس منهم أخذهم الطوفان ، ونجّاه الله ومن معه ، آية للعالمين ؛ وإبراهيم : دعا قومه أن يعبدوا الله ويتركوا عبادة الأوثان ، فما كان منهم إلا أن أمروا بقتله أو حرقه ، وأنجاه الله من النار ، وآمن به لوط ، وهاجرا فى أرض الله الواسعة ، فكانا أول مهاجرين فى الله ، وعوّض الله إبراهيم وآتاه الأبناء ، وبارك فى ذريته فآتاهم النبوة وجعلها فيهم. وكان نصيب لوط أرض سدوم وعمورة ، وكان أهلها يأتون الفاحشة ، واستغنوا بالرجال عن النساء ، وكانوا أول من ابتدع اللواط الجماعى وبشكل سافر ، ومارست النساء السحاق ، وأنزل عليهم العذاب ، ونجىّ الله لوطا وابنتيه ، وحرّقت سدوم وعمورة ، فكانت بقايا الدمار فيهما آية وعظة لمن يتفكرون. وشعيب : كذّبه قومه ، وأفسدوا ، فأخذتهم الصيحة ، وماتوا وهم جاثمون فى دورهم. وأهل عاد وثمود كانوا من الظالمين ، فأخذتهم الرجفة ، فزلزلوا وانهدمت مساكنهم على رءوسهم. وقارون وفرعون وهامان : جاءهم موسى بالبينات فاستكبروا ، فأخذهم الله بذنوبهم ، ولم يظلم الله أحدا ولكن ظلموا أنفسهم. وبعد ذلك الاستعراض لمحنة الأنبياء بيّنت السورة عظمة القرآن المنزّل على محمد صلىاللهعليهوسلم ، ووعظت المسلمين أن يلزموا الصلاة والذكر ، ولا يجادلوا أهل الكتاب إلا بالتى هى أحسن ، ومن أهل الكتاب من يؤمن به ، وما يجحد آياته إلا الكافرون. ولو كان محمد يكتب ويقرأ الكتب من قبل القرآن ، لكان معهم الحق أن يرتابوا فيه ، أى فى القرآن ، أنه جمعه مما قرأ من الكتب ، ويتهافت هذا الادعاء أمام عظمة القرآن ، فما كان من الممكن أن يكون القرآن محل ريبة ، وآياته بيّنات ، من غير أن تكون سحرا ولا شعرا ، ولكنها أحكام وآداب وقصص يعيها ويحفظها أهل العلم. ولو نزّل الله بدلا من القرآن آيات كآيات موسى ، لقالوا إنها سحر وهم لا يعرفون السحر ، ولاستعجلوا العذاب مع ذلك ، مع أن العذاب قريب لو علموا ، والساعة موعدهم.