(تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (٨٣) فالذى يأتى بالحسنة له خير منها ، والذى يأتى بالسيئة لا يجزى إلا ما كان يعمل. ثم تختتم السورة بخير تسلية للنّبىّ صلىاللهعليهوسلم ، وبوعد منه تعالى له : (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ) (٨٥) أى لرادّك إلى بلدك مكة كما أخرجك منها ، فاتحا منتصرا ، بمنهج الله ، ليتحقق به موعوده تعالى : بشرط أن لا يظاهروا الكافرين ، ولا يعينوهم على دينهم وضلالهم ، ولا يداروهم ويجاملوهم ، ولكن يخالفوهم وينابذوهم. والمراد بالخطاب إلى النبىّ صلىاللهعليهوسلم أمته ، لئلا يظاهروا عدوا لهم ، ولا يوافقوهم ، ولا يلتفتوا إلى ما يقولونه فى دينهم ، فيصدّوهم عنه ، ولا يسايروا المشركين على أهوائهم ، فإن من يرضى بطريقتهم يكون منهم ، ولا يدعوا مع الله إلها آخر ، فإنه تعالى واحد ، لا ندّ له ولا شريك ، ولا أعلى منه ولا أكبر ، وكل ما عداه هالك إلا ذاته تعالى ، له الحكم والقضاء النافذ فى خلقه وملكوته ، وإليه يرجعون جميعا يوم المعاد. والحمد لله على نعمة القرآن ، ونعمة الإيمان ، ونسأله تعالى أن يحيينا ويميتنا على كتابه وسنّة نبيّه صلىاللهعليهوسلم ، اللهم آمين.
* * *
٦١٠. سورة العنكبوت
السورة مكية كلها ، وقيل إلا الآيات من الآية الأولى حتى الحادية عشرة فإنها مدنية ، ومع ذلك فروح هذه الآيات وموضوعها من المعهود فى السور المكية ، وأصل السورة أنها تدور حول الابتلاء ، وهذه الآيات فى الابتلاء. وآيات سورة العنكبوت كلها تسع وستون آية ، وترتيبها فى المصحف التاسعة والعشرون ، وبحسب النزول الخامسة والثمانون ، وتسميتها بالعنكبوت لقوله تعالى فيها : (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) (٤١) أى مثل هؤلاء الذين ظنوا أن اعتقادهم فى أوليائهم ينفعهم ، كمثل العنكبوت فى اتخاذها بيتا لا يغنى عنها فى حر ولا برد ، ولا مطر ولا أذى. والمثل لمن اتخذ من دون الله آلهة لا تنفعه ولا تضره ، كبيت العنكبوت لا ينفع ولا يضر ، وهو أتفه البيوت وأحقرها لأنه أضعفها جميعا. وآية العنكبوت توجز السورة جميعها ، وهى بمثابة العبارة الرئيسيةTopec sentence كما يقول أهل النقد. وتبدأ السورة بالحروف المقطّعة : (الم) تنبيها إلى حروف الأبجدية التى تتركب منها كلمات وآيات القرآن ، لتصنع منه معجزة كالتى تصنعها العناصر التى تتركب منها الكائنات فى الكون ، وبذلك يتشابه كتاب القرآن وكتاب الكون فى الإعجاز ، فمع أن الحروف بسيطة فإن معانى وآيات القرآن الكبيرة كانت منها ، وكذلك الكون ، فمع أن