مكية ، والمقصود بالمعاد يوم القيامة ، والآية تخاطبه صلىاللهعليهوسلم كخطابه تعالى له فى الآية التالية : (وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ) (٨٦) ، ونزول الكتاب بدأ فى مكة ، والكافرون مكانهم مكة ، وكذلك المشركون فى قوله تعالى بعد ذلك : (وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٨٧) وَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (٨٨) وكل ذلك مكّى ، والآية من ثم مكّية ، والسورة جميعها مكّية ، ومنهجها كمنهج سورتى الشعراء والنمل ـ وهما مكّيتان ، وكان نزولها بعدهما على الترتيب : الشعراء أولا ، وترتيبها فى النزول السابعة والأربعون ، ثم النمل ، وترتيبها الثامنة والأربعون ، ثم القصص وترتيبها التاسعة والأربعون ، ومن يقرأ السور الثلاث يجد لها عبقا واحدا ، ويستشعر إزاءها بمزاج نفسى متشابه. ومدار سورة القصص هو : الحق والباطل ، والصراع بين جند الرحمن وجند الشيطان ، ويتمثّل ذلك فى قصص ثلاث من نماذج الشرّ بميزان السلوك السّوى ، ومن نماذج المرض النفسى والشواش العقلى بميزان الصحة النفسية. وقصص هؤلاء الثلاثة هى قصص الطغيان بالحكم ، والطغيان بالسلطة ، والطغيان بالمال. وتبدأ السورة بالحروف المقطعة «طسم» ، تنبيها على إعجاز القرآن ، وإشارة إلى بيانه المركّب من حروف الأبجدية ، كبيان مخلوقات الله فى الكون من العناصر المادية. وكتاب الكون وكتاب القرآن ، سواء بالعناصر أو بالكلمات ، كلاهما من إعجازه تعالى ، بدأ الخلق بكن وهى كلمة ، فكان الكون وهو آيات مادية ، وكان أيضا القرآن وهو آيات مكتوبة ومقروءة. واسم السورة «القصص» يعنى أنها تخبر عن وقائع وقصص جرت فى الأزمان ، وهى مع ذلك من آياته تعالى. وتتلو سورة القصص بالحق الذى لا ريب فيه نبأ موسى مع فرعون ، وتتولى إبلاغه لقوم يصدّقون بالقرآن فينتفعون به ، ولو لا أنه تعالى لا يريد للمستضعف أن يظل مستضعفا ، وللمستقوى أن يظل مستقويا ، لما أرسل موسى ، ولكنه جعل الاستضعاف والاستقواء فتنة ليبلو الناس أيهم أحسن عملا. وتقع القصة فى أربعة أجزاء. وفرعون كان من المتجبّرين فى الأرض ، وادّعى الربوبية ، واستذلّ الناس ، وأزهق الأرواح واستحيا النساء ، فحان الحين أن يتغير كل هذا ، ويبدأ الجزء الأول من القصة. واختار الله موسى لمهمة التغيير ، ومنذ البداية جعله معجزة ، وانقذه من أن يموت مع من يموتون من صبية الإسرائيليين ، ونجّاه من أن يغرق ، وكأنه وهو فى السلة البوص ، وقد ألقت به أمه فى اليم ، يتنبأ إرهاصا بما سيكون عليه حال عدوه : فرعون وهامان وجنودهما من الغرق فى اليم! والتقطه آل فرعون من الماء ، وربّته امرأة فرعون ، وأعطته اسمه موسى ، وأرضعته أمه لمّا