ويوزع المكذّبون فلا ينطقون ، وينفخ فى الصور نفخة الفزع فيأتى الناس داخرين ، وتسيّر الجبال بأمر ربّها الذى اتقن كل شىء صنعا ، فمن جاء بالحسنة فله خير منها ، ويأمنون فزع الآخرة ، ومن جاء بالسيئة ، كبّت وجوههم فى النار جزاء ما كانوا يعملون.
وتختتم هذه السورة العظيمة بتذكيره تعالى للناس ، بأن النبىّ صلىاللهعليهوسلم إنما أمر أن يعبد ربّ هذه البلدة ـ مكة ، التى حرّمها الله ، وأن يكون من المسلمين ، وأن يتلو القرآن ، فمن اهتدى فإنما يهتدى لنفسه ومن ضلّ فعليها ، وليس النبىّ صلىاللهعليهوسلم إلا من الرسل المنذرين ، والحمد لله أن المؤمن يرى الآية فيعرف أنها من الله ، والله لا يغفل عما يعمل الظالمون.
ومن مصطلحات السورة قوله تعالى : (بِشِهابٍ قَبَسٍ) (٧) : والشهاب عود فى طرفه جمرة ، والقبس اسم لما يقتبس من الجمر ؛ وقوله : (ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ) (٢٠) : الهدهد طير له هدهدة صوت ، و «ما لى» من أقوال الصوفية : إذا فقدوا ما لهم تفقدوا أعمالهم ؛ وعذاب الهدهد : عذاب شديد أو يذبحه : دليل على أن الحدّ على قدر الذنب لا على قدر الجسد ؛ وقال الهدهد : (أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) (٢٢) : فيه ردّ على من قال إن الأنبياء تعلم الغيب ؛ وسبأ : مدينة تعرف بمأرب باليمن ، بينها وبين صنعاء دقائق بوسائل المواصلات الحديثة ؛ وكانت عبادة قوم سبأ للشمس ، وكانت عبادتها مسيطرة على شعوب العالم القديم ومنهم أهل العراق زمن إبراهيم ، وأهل مصر ؛ وقول بلقيس : (يا أَيُّهَا الْمَلَأُ) (٢٩) مخاطبة شعبها مباشرة ؛ وقول سليمان : (يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا) (٣٨) فيه أيضا أن الملوك تلجأ إلى شعوبها ولا يستبدون بالرأى ؛ والعفريت من الجن : جمع عفاريت ، وهو من الشياطين المرد ؛ الصّرح الذى طلب منها سليمان دخوله هو من أصناف عمارة الشام وبابل ، واسمه عندهم «البرج» ، وكانت بابل مشهورة ببرجها ، وفى قصة موسى أن فرعون طلب من هامان أن يبنى له صرحا يطّلع منه على إله موسى ، وأن يبنيه من الطوب ، وفى ذلك دليل على أن فرعون لم يكن ملكا مصريا ، لأن الصروح يعرف بها الأشوريون ، وهم الذين عرفوا فى حكم إقليم جاسان من أقاليم مصر الشرقية بأنهم الهكسوس ، وكانوا يلقبون كذلك بالجبابرة أى الفراعنة ، وإنما لم يشتهر الاسم إلا لملوك مصر بسبب ما ورد عن ذلك فى سفر الخروج من أسفار التوراة ؛ أما اسم فرعون فلم يكن مصريا ، ولم يتسمّ به ملك مصرى. وأيضا فإن البناء بالطين معروف فى آشور ، وأما فى مصر فكان البناء بالحجارة. وصرح سليمان قيل فيه إنه ممرّد من قوارير ، يعنى صرحا ضخما ماردا بنى من القوارير ، وهى الآنية ، والكثير من الصروح فى بابل كانت تبنى من هذه القوارير ، وليس المقصود أنه بنى من الزجاج ؛ وقوله : (لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ