العميق لنفوس الناس وما هم عليه من مختلف الطبائع ، وكان الرسول صلىاللهعليهوسلم يقبل الهدية ويرفض الصدقة ، ولكنه ما كان يقبل هدية إلا ويثيب عليها أحسن منها. وظهرت قدرات سليمان على الجن وعلى أصحابه من الصدّيقين فى مسألة بلقيس ، ولما رأى عرشها قد نقل كطلبه قبل أن يرتد إليه طرفه ، لم يعل ولم يزه ، واعتبر ما وهبه الله ابتلاء منه تعالى ، فإمّا يشكر وإما يكفر ويستعلى ، وقال موجزا الدرس : (وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) (٤٠) ، وتنتهى القصة بإعلان بلقيس إسلامها مع سليمان لله رب العالمين.
ثم تقص السورة حكاية النبىّ صالح مع قوم ثمود ، وانقسامهم فريقين ، واستعجالهم للسيئة ، وما كان من أمر الرهط التسعة فى المدينة وكانوا يفسدون ، وتقاسموا أن يقتلوه ليلا وهو نائم ، ومكروا ومكر الله ، فكانت عاقبة مكرهم أن دمّروا وقومهم أجمعون ، وتشهد عليهم آثار بيوتهم ما تزال خاوية ، كيف كانوا ظالمين ، ونجّى الله المؤمنين.
وحكاية أخرى عن لوط وقومه ، وكانوا يأتون الرجال شهوة من دون النساء ، دليلا على أنهم قوم يجهلون ، فلما وعظهم لوط أمروا بإخراجه وأهله بدعوى أنهم قوم يتطهّرون ، وينأون بأنفسهم عن جريمة اللواط ، ونجّاه الله وأهله إلا امرأته لمّا لم تطاوعه فيما أمره ربّه ، وأمطرهم الله مطرا قضى عليهم أجمعين. والحمد لله الذى يهلك الظالمين ، والخطاب فى (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى آللهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ) (٥٩) للنبىّ صلىاللهعليهوسلم ، لأن القرآن منزّل عليه ، والذين اصطفى هم عباد الله المؤمنين. وتعدّد الآيات أفضاله تعالى والبراهين على وجوده وقدرته وعلمه ، ومنها أنه تعالى يجيب المضطر إذا دعاه ، ويكشف السوء ، ويجعل المؤمنين خلفاء الأرض ، وهو عالم الغيب فى السموات والأرض. وتردّ على تشكيك الكافرين فى البعث ، وقولهم بأنه من أساطير الأولين ، بدعوتهم إلى أن يسيروا فى الأرض فينظروا بقلوبهم وبصائرهم كيف عوقب المكذّبون لرسلهم ، فإذا كانوا يستعجلون الآخرة تكذيبا لها ، فربما مجيئها أقرب إليهم مما يتصورون. وهذا القرآن يردّ عليهم فيما اختلفوا فيه ، والموتى فى الدنيا الذين أصمّوا آذانهم عن سماع الحق لا أمل فيهم ، ولا نجاة للعمى الذين لا يبصرون الحق ، وعند ما يحين الحين ويحق القول عليهم أنهم لا يؤمنون وأنهم عادوا إلى جاهليتهم الأولى ، فعندئذ يحقّ أن يخرج الله إليهم دابة من الأرض تكلّمهم ، والأحاديث فيها مختلفة ، وهى من أمر الغيب ، والدابة فى اللغة ما دبّ من الحيوان ، وهى ليست بحيوان ، لأنها تكلّم الناس ، وتكون آية لمن كان لا يوقن بآيات الله. وخروج هذه الدابة من أشراط الساعة ، وحينئذ تحشر الأمم أفواجا ،