والضفادع ، والدم ، والسنون (أى الجدوب).
والقصة الثانية التى تقصها السورة هى قصة سليمان ، وتبدأ بأن تنسبه لأبيه داود ، وكلاهما آتاه الله العلم والحكمة والحكم ، وآتاها الله سليمان وراثة عن أبيه ، وعلم داود كان علم سياسة الناس والمجتمعات ، وتدبير الدولة ، والأحكام ، وكانت له دراية بالصنائع ، يربط بين المعرفة النظرية والتطبيق العملى ، ويجعل المعرفة فى خدمة معيشة الإنسان ، وأما سليمان فكانت له هواية بغرائب العلوم ، فهو يعرف منطق الطير ، وهو حركاته وأصواته كلما كانت له حاجة من الحاجات ، والقرآن لا يقول لغة الطير فليس للطير لغة ، ولكنه ينسب للطير منطقا ، وهو أن يكون للحركات والسكنات والأصوات غايات يستهدفها الطير والحيوان. وكانت لسليمان دراية بالحشرات ، وقيل إنه لا بد أن تكون هذه النملة من النوع الطيّار الذى له أجنحة ، ولو لم تكن لها أجنحة ، يعرف من حركاتها ما تريد إبلاغه للنمل من رسالات ، لما عرف سليمان عن قصتها. وكذلك كانت له قصة مع الهدهد ، وكانت الطيور من رعايا سليمان ، وكان يتفقدها ، فافتقد الهدهد مرة ولم يجده ، ولما جاءه بعد أيام كان له معه كلام تميز بالحكمة وفيه عن فقه الحكم والحكّام ، وأبلغه الهدهد عن ملكة سبأ ، وهى مملكة كانت فى اليمن ، والأسطورة تجعل لها اسم بلقيس ، وهو اسم يونانى أصلا ، ولم يكن شعب بلقيس يعبد الله ، وسليمان نبىّ وداعية إلى الله ، فأرسل إلى بلقيس بدعوته ، وأظهرت ملكة سبأ حنكتها وحكمتها لما استشعرت عظمة سليمان ، فما ذا إذن يكون حال إلهه؟ لا بد أنه كما قال فيه أنه الرحمن الرحيم ، الذى لا إله إلا هو ، ربّ العرش العظيم. وحكم بلقيس لسبأ ، ورضا سليمان عنها لمّا آمنت ، واستمرارها فى الحكم ، لدليل على أن المرأة يجوز لها أن تتولى الخلافة ، وأن الحديث : «لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة» حديث موضوع ، وثبت أن المرأة اشتغلت قاضية ، وعيّنها عمر على حسبة السوق ، والحديث من دسائس المبتدعة ، وكل ما يمكن للرجل فهو يمكن للمرأة ، ومن ذلك تدبير الأمور وحماية الدولة. وخطاب سليمان لها قمة ، لأنه بدأ أشرف بداية ببسم الله الرحمن الرحيم ، وفى الحديث : «كل كلام لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أجذم» يعنى أقطع ؛ ولجوء بلقيس إلى «استفتاء» شعبها هو «منهج الشورى» الذى تقول به الأديان ، وتؤكده بقولها : (ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ) (٣٢) ، وكان فى قولها : (إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ) (٣٤) دراية كبيرة بالحكم والحكّام ، وبالتاريخ وما تكون عليه الدول عادة والأمم والشعوب ، واحتيالها بالهدية لتعرف إن كان سليمان فى حقيقته ملكا أم نبيا ، لدليل على الذكاء والحنكة والدربة ، والفهم