يكون قصده إلى الله بالدعوة ، ويتوكل عليه ، وأن يكون متنبّها واعيا لما يجرى حوله ، فيرى بقلبه من خلفه ومن قدّامه. والحمد لله ربّ العالمين.
* * *
٦٠٨. سورة النمل
سورة مكية ، آياتها ثلاث وتسعون ، وترتيبها فى النزول الثامنة والأربعون ، وهى إحدى ثلاث سور نزلت متتالية : الشعراء ، ثم النمل ، ثم القصص ، وترتيبها فى المصحف السابعة والعشرون ، وسميت النمل ، لأنها تقص قصة وقعت فى وادى النمل ، لنملة حذّرت النمل ليدخلوا مساكنهم حتى لا يحطمهم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون ، وهذا النوع من النمل الحارس أو الديدبان حقيقى فى علم النمل من علم الحشرات ، وتحذيره حقيقى كذلك كلما كان هناك خطر داهم على النمل جميعه ، وتبدأ السورة بالحرفين المقطّعين «طس» ، بينما البداية فى الشعراء والقصص بالحروف المقطّعة «طسم» ، وكل الحروف المقطّعة فى أوائل السور للتنبيه على أن القرآن المعجز فى آياته وأحكامه وأمثاله مؤلّف من أمثال هذه الحروف الهجائية. وتتناول السورة القرآن ـ معجزة محمد الكبرى ، وحجته الدامغة إلى يوم الدين ، وتشير إلى أن ما يرد فيه من آيات عن الحياة والناس ، وأخبار الأمم ، ونعم الله فى الكون ، وقصص الأنبياء السابقين ، قصد به أن ينتفع بعظاتها المؤمنون ، وقوله : (تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ) (١) هو تفخيم للقرآن وآياته ، وتعظيم لشأنهما ، ووصفه القرآن بأنه كتاب مبين ، لأنه يمكن أن يفهم مقروءا يقرأه الغير على السامعين ويتلى عليهم ، ويمكن أن يقرأ مكتوبا يتمعّن فى آياته القرّاء ويتدبّرونها. والناس بحسب القرآن إما مؤمنون أو جاحدون ، والجاحدون زيّن لهم الجحود ، أى كان لديهم الاستعداد له ، وسواء استقبل المؤمنون القرآن بالإيمان ، أو استقبله الكافرون بالجحود ، فهو فى الحالين كتاب الله ، أنزله على نبيّه صلىاللهعليهوسلم الذى تلقّاه وعرف ما فيه وبلّغه. ثم تبسّط الآيات بعضا من القصص القرآنى ، وتبدأها بقصة موسى ، وتبيّن تكليف الله له بالتوجه إلى حيث بنى إسرائيل يسامون العذاب ، وأوضحت أن عدو موسى هو فرعون ، وأن الله تعالى قد أهّل موسى للقائه ، وكان مشهد تكليف موسى بالرسالة عظيما ، فهناك النار ممسكة بالشجرة لا تحرقها ، وصوت منها يعلن أنه هو الله لا إله إلا هو ، وأن موسى قد أوتى الآيات ليردّ بها على مزاعم فرعون ، وأراه ربّه منها آيتين : آية العصا تتحول إلى ثعبان ، وآية اليد يدخلها فى جيبه فتخرج بيضاء من غير سوء ، والآيتان من تسع آيات جعلها الله ليبصرها أهل الجحود والإنكار ، وهى بخلاف ما سبق : الطوفان ، والجراد ، والقمّل ،