استعبدوا العبرانيين ، وكانوا يعملون لديهم خدما فى البيوت ويمتهنون أحقر المهن. ونلاحظ سؤال الفرعون عن ربّ العالمين ، يقول : (وَما رَبُّ الْعالَمِينَ) (٢٣)؟ والسؤال دفعه إليه مقالة موسى عنه باعتبار الآية : (فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ) (١٦) ، وعرّفه موسى أنه تعالى : (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا) (٢٤). ثم يأتى الكلام بين موسى والفرعون حوارا دراميا كحوار المسرحيات ، والفرعون يخرج عن الحوار أحيانا ويتوجه إلى المتفرجين ساخرا كما فى الدراما الإغريقية ، كقوله لمن حوله : (أَلا تَسْتَمِعُونَ) (٢٥)؟! ويستمر موسى فى الشرح ، فيقول : (رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ) (٢٦) ، فيستهزئ به الفرعون ويقول : (إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ) (٢٧) ، ولا يبالى موسى ويستمر فى التعريف بربّه ، قال : (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) (٢٨) ، فيحسم فرعون النقاش ويقول : (لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ) (٢٩) ، ويستمر الحوار ، ويعرض موسى بعض آياته : آيات العصا واليد ، ويتهمه فرعون بالسحر ، ويتدخل مستشارو الملك ينصحونه أن يبعث فى المدائن حاشرين ، يجمعون السحرة لميقات يوم الزينة ، ولكن النصر كان لموسى ، وقدّم أسطع برهان يثبت ما ادّعى ، وتصل الدراما إلى ذروتها عند ما يعلن السحرة عن إيمانهم ويلقون بأنفسهم ساجدين ، ثم يكون تعذيبهم وصبرهم ، لشدة إيمانهم بما عرفوا لمّا عاينوا الحق من ربّهم ، واستشهدوا فكانوا أول شهداء دعوة موسى ، وأول المؤمنين من أهل جاسان. وفى القرآن أن الفرعون كان يمنّ على موسى أنه يستعبد بنى إسرائيل ، فقارن موسى نفسه بهم وحمد الله أن وهبه الحكم وجعله من المرسلين. وموسى لم يكن مرسلا لهداية فرعون ، وإنما لإطلاق سراح بنى إسرائيل ، قيل إنهم ظلوا فى مصر أكثر من أربعمائة سنة. وأما الذين آمنوا من السحرة فلم يكونوا كثيرين كقول كتب التفسير ، وفى القرآن : (إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ) (٥٤) ، وكان هروب موسى ببنى إسرائيل فى الليل ، وهو معنى (أَسْرِ بِعِبادِي) ، والإسراء فى الليل ، وقول فرعون أن قومه (لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ) (٥٦) يعنى مستعدون ومقوون ، لأن السلاح كان مع جنوده ، ولا شىء مع موسى وبنى إسرائيل. والجنات والعيون فى الآية هى الأرض بين خلجان مصر السبعة ، وكان فى أرض جاسان منها خليجان. وكان خروج فرعون وراء موسى وقت الشروق : (فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ) (٦٠) وكاد يبلغ قوم موسى لو لا أن انفلق البحر وعبر بنو إسرائيل ، فأراد فرعون اتباعهم فغرق ومن معه.
وفى قصة الفرعون أن قومه كانوا يعبدونه ، ولم يعرف أن المصريين يعبدون ملكهم ، وإنما الذين كانوا يفعلون ذلك الأشوريون ، ومن هؤلاء الملوك الآلهة النمرود الذى جرى