نوحا كان الأسبق ، إلا أن إبراهيم كان الأب الذى تخارج منه كل الأنبياء ، فكان الأولى بالسبق ، وأما موسى فأسبقيته لأنه أول نبىّ يكون له كتاب منزّل من ربّ العالمين.
وفى السورة الكثير من المعلومات والمصطلحات ، كقوله : (لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ) (٣) أى : قاتل نفسك ومهلكها ، والبخع : أن يبلغ بالمذبوح البخاع ، وهو الخرم النافذ فى ثقب الفقرات ، وهو أقصى حدّ للذبح ، والخطاب للنبىّ صلىاللهعليهوسلم ، بمعنى : لعلك يا محمد مهلك نفسك لعدم إيمان هؤلاء الكفار؟ والكلام فيه تسلية للرسول صلىاللهعليهوسلم ، حتى لا يحزن ولا يتأثر على عدم إيمانهم ، وإن يشأ الله لأنزل عليهم من السماء آية ـ أى معجزة : (فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ) (٤) ، أى ظلت أعناقهم منقادة خاضعة للإيمان قسرا وقهرا. ولا يفعل الله ذلك ، لأنه يريد إيمان المؤمنين اختيارا لا اضطرارا ، ولذلك دلّ بالعقل على وحدانيته تعالى ، بقدرته التى لا تضاهى على خلق النباتات مثلا ، أزواجا كريمة الأصول ، جميلة المنظر ، جزيلة النفع ، فمن يفعل ذلك سوى الله؟ وفرعون ـ فى قصة موسى ـ لقب الملوك من الهكسوس ، أو الأشوريين ويعرفون أحيانا باسم السّريان ، وهؤلاء أغاروا على مصر ، واقتطعوا منها أرض جاسان من إقليمها الشرقى ، واستقلوا به ، حيث كان بنو إسرائيل منذ يوسف ؛ والأشوريون أو الهكسوس أو الفراعنة ، أبناء عم العبرانيين ، واللغة العبرانية ابنة عم اللغة الأشورية أو السريانية. وكان الاستعمار الأشورى لمصر استعمارا استيطانيا. وكان فرعون يوسف آشوريا ، وكذلك الفرعون الذى ربّى موسى صغيرا ، ولبث موسى فى بلاطه إلى أن بلغ الثلاثين ، ففعل فعلته وقتل واحدا من الأشوريين الغزاة ، فهرب موسى باتجاه آسيا لأنه أسيوى الجذور ، وظل فى «مدين» عشر سنين ، ثم جاء الأمر بالتبليغ وهو فى الأربعين ، فكان الفرعون ووقتذاك قد صار كهلا. ودافع موسى عن نفسه بأنه قد قتل الأشورى وكان وقتها من الضالين ، وفى مدين ، تعلم شيئا جديدا ، وآتاه الله الحكم ، وجعله من المرسلين. ورواية السورة القرآنية عن موسى والفرعون وحادثة القتل ، مختلفة عمّا ورد عنها فى التوراة ، فابنة الفرعون هى التى ربّت موسى وليدا فى التوراة ، وكانت شابة ، وإذن يكون الفرعون كبيرا فى السن وقتها ، ويكون على ذلك طاعنا فى السن بعد أربعين سنة هى عمر موسى حتى المبعث. وكذلك فإن رواية التوراة تذكر أن موسى قتل مصريا ، يعنى أنه كان فى منف وليس فى جاسان التى عاصمتها أفاريس على بحيرة المنزلة ، وعدم ورود أى شىء عن قصة موسى فى آثار مصر لدليل على أن أحداث القصة جرت فى مكان آخر بعيد عن منف ومساكن المصريين فى الوادى. وجاسان كانت مستعمرة للهكسوس الذين اشتهروا عند المؤرخ اليهودى مانيتو باسم الملوك الرعاة ، وهؤلاء