جماليا كليا ـ أو جشتالت Gestalt ـ له معنى واحد لا غير : أن محمدا رسول من عند الله ، وأن القرآن هو معجزته ، وهو أفضل وأشرف كتبه تعالى ، وأن رسالة محمد متواصلة مع رسالات السابقين ، ومصدّقة لهم ، فلم يكن بدعا أن يدعو محمد لعبادة الله ، وإلى توحيده تعالى. وهذه السورة ـ الشعراء ـ كغيرها من السور قد تضمّنت أشتاتا من أخبار الأمم ، تسلية للرسول صلىاللهعليهوسلم لمّا أنكره كفّار مكة ، فلئن جحدوه فقد جحدت رسل من قبله ، ومنهم : موسى ، وإبراهيم ، ونوح ، وهود ، وصالح ، وشعيب ، فليس شيئا جديدا أن يجحد النبىّ صلىاللهعليهوسلم. وفى السورة الكثير من التحذير والتبشير ، كقوله تعالى أنه ما كان بمهلك قرية إلا كان لها منذرون ، وأن القرآن ما تنزّلت به الشياطين ، وإنما نزل به الروح الأمين جبريل ، على قلب الرسول صلىاللهعليهوسلم ، بلسان عربى مبين ، ولن تجده فى إجماله مختلفا عن الزبر أو كتب الأولين. وما كان محمد ساحرا ، وما كان من المسحّرين ، ولا كان من الشعراء الذين يتبعهم الغاوون ، واسم السورة : «الشعراء» ، بسبب هذه الآيات الخاتمة فيه عن نفى الشعر عنه ، فالشعراء يهيمون فى الأودية وليس كذلك محمد ، وللشعر شياطين ، وليس لمحمد شيطان ، والشعراء يقولون ما لا يفعلون ، وينسبون لأنفسهم ما لا يعملون ، وليس كذلك النبىّ صلىاللهعليهوسلم. وهذه الآيات ليست ضد الشعر ، ولكنها تخبر عن الشعراء فى أحوالهم التى تخالف النبوة ، وفى أفانينهم فى الكلام يمدحون به الشيء ويذمونه فى نفس الوقت ، ولهم غوايات وهوايات وليس كذلك الأنبياء ، إلا من آمن من هؤلاء الشعراء ، وصدق فى إيمانه ، وأخلص العمل لله ، ولم يشغله الشعر وتدبيجه عن ذكره تعالى وعن قراءة القرآن ، ولم يصرفه عن الانتصار للحق ، فإن كتب الشعر أو قاله وهو مؤمن ، فإنه لا يكتبه لذات الشعر ، ولكن لخدمة الدين ، وقضية الإيمان ، وصالح المؤمنين ، ولتبليغ الرسالة.
ودراسة القصص السبع التى تتضمنها السورة من أمتع الدراسات ، وأطول هذه القصص ودرّتها هى قصة موسى والفرعون ، وبينها وبين المقدمة ترد الآيتان : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (٨) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (٩) ويتكرر ذلك فى ختام كل قصة ، وقبل هذا الختام يأتى الحكم على قوم كل نبىّ بما يناسبهم ، وأثناء القصة تتكرر آيات بعينها كقوله تعالى : (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (١٠٥) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٠٦) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٠٧) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٠٨) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٠٩) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) (١١٠). فهذه جميعا تتكرر فى بداية كل قصة مع فارق اسم النبيّ واسم قومه. ونلاحظ أن قصة إبراهيم جاءت فى الترتيب قبل قصة نوح ، مع أن