الواقعة ، وترتيبها فى التنزيل السابعة والأربعون ، وبعدها مباشرة سورة النمل ، ثم سورة القصص ، وتسمى هذه السّور الثلاث : الطواسين ، لابتدائها بالحروف المقطّعة طس ، أو طسم ، شأن السور التى تسمى حواميم لأنها تبدأ بالحرفين المقطّعين حم (حا ميم) ، وفى الحديث : «إن الله أعطانى السبع الطوال مكان التوراة ، وأعطانى المبيّن مكان الإنجيل ، وأعطانى الطواسين مكان الزبور ، وفضّلنى بالحواميم والمفصّل ، ما قرأهن نبىّ قبلى» ، وقال صلىاللهعليهوسلم : «طسم من ألواح موسى». وكله كلام من الإسرائيليات لأن النبىّ صلىاللهعليهوسلم لم يقرأ أيا من هذه الكتب ، وبمراجعتها مع هذه الآيات يتبين عدم صحة ما فيها ، وبعد القرآن عمّا فيها.
والاستفتاح بطسم ـ قيل ـ هو قسم باسم من أسماء الله ، أو باسم من أسماء القرآن ، ولم يثبت شىء من ذلك ، وقيل هو اسم السورة ، ومن غير المعقول أن يكون لسورتين أو ثلاث سور نفس الاسم ، والصحيح أن طسم إشارة إلى تركيب القرآن من الحروف الأبجدية من أمثال الطاء والسين والميم ، فكما أن الكون يتركّب من العناصر ، ويرمز إليها بالحروف أيضا ، فالنحاس نح ، والحديد ح ، والذهب ذ ، والفضة ف ، فإن من أمثال هذه الحروف الهجائية جاء تأليف القرآن المعجز ، ومن أمثال هذه الحروف أيضا ـ كرموز للعناصر ـ جاء تركيب الكون المعجز ، وفى البدء كانت الكلمة ؛ وفى المنتهى ستكون الكلمة ، والقرآن إعجازه فى المجال المعنوى ، والكون إعجازه فى المجال المادى ، والاثنان من الإعجاز ، وتبارك ربّ العالمين.
وهذه السورة : سورة الشعراء ، فى غاية العجب ، بما فيها من تقاسيم وعبارات متكررة ، كالتى يشار إليها فى اللغات الأجنبية ، باسم الموتيفات motifs ، أو المكررات Leitmotifs ، كالتكرار فى فن الأربيسك أو فن المشبّكات أو المنمنمات. وتشتمل السورة على مقدمة وخاتمة ، وموضوعها القرآن العظيم ، وأنه من عند الله ، وإثباتا لذلك ساقت السورة سبع قصص ، لسبعة من الأنبياء ، ولذلك كان اسمها السورة الجامعة. وأوردت من البيانات والمعلومات والأخبار الدقيقة والمفصّلة ما لا يوجد فى كتاب قبل القرآن ، حتى فى التوراة ـ وهو الكتاب الحاوى لأخبار الأمم السابقة وصاغت السورة ذلك صياغة أدبية فنية عالية تناسب القرآن وأنه كتاب الله ، وجعلت فواصل بين القصص ، كأنها الوصلات ، تصل بينها فيما يشبه الإنترميزوintermezzo فى علم الموسيقى ، حتى ليحار السامع والقارئ فى هذا الجمال المتدفّق ، والحكم السيّالة ، والعبارات المتناغمة المتسلسلة ، فسبحان الله العظيم ، فإن البيان مهما علا ، ليعجز عن الوفاء بتوصيف القرآن. ورغم أن كل قصة فى القرآن هى وحدة بذاتها ، إلا أنها تتراكب مع الواحدات الأخرى ، لتكوّن معا شكلا