تنزّل به يرتّله على النبىّ صلىاللهعليهوسلم ترتيلا ، أى يرسّله ، يقول شيئا بعد شىء. ومع كل تلك البراهين والدلائل كذّبوا بالساعة ، ولسوف تأتيهم فجأة ويرون الجحيم ويعاينوه ويسمعوا تغيّظه وزفيره ، وسيعاينون ضيقه وهم مقرّنين فى الأصفاد يصطرخون : ويلاه! وتشهد عليهم حتى الأصنام ، وتمر بهم الملائكة لا تحييهم وتحرّم عليهم البشرى ، وما كان ما عملوه فى الدنيا إلا كالهباء المنثور ، لا جدوى منه ولا فائدة ، وما كانوا فى الدنيا إلا أنعاما ، لا يسمعون ولا يعقلون ، وليس أعسر من يوم القيامة على الكافرين ، يوم تتشقق السماء بالغمام ، ويعض الظالم على يديه ، ويحشر المجرمون على وجوههم. وأما المتقون ففي جنة الخلد ، لهم فيها ما يشاءون ، وكانوا خيرا مستقرا وأحسن مقيلا ـ أى منزلا ومأوى. وهؤلاء هم عباد الرحمن ، كانوا على الأرض يمشون هونا ـ يعنى كانوا فى حياتهم ومعيشتهم فى هدوء ووقار ، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ، ويقيمون الليل ، ويدعون ربّهم أن يصرف عنهم عذاب جهنم ، ولا يسرفون ولا يقترون ، ولا يدعون مع الله إلها آخر ، ولا يقتلون ولا يزنون ، وإذا أذنبوا يتوبون ويعملون الصالحات ، ولا يشهدون الزور ، ولا يلعنون ، ويسمعون للقرآن وينصتون ، ويسألون ربّهم الأزواج الصالحات والذريّة الطيبة ، فأولئك يبدّل الله سيئاتهم حسنات ويجزون الجنة بما صبروا ، ولهم فيها التحية والسلام ؛ وأما الكفّار فما يحفل بهم ربّهم ولا باستغاثاتهم فى الشدائد ، ولسوف يعذّبهم ويلازمهم العذاب لأنهم كانوا يكذبون. وفى هذه الآيات فى وصف عباد الرحمن : إحدى عشرة خصلة هى أوصافهم الحميدة من التحلّى والتخلّى ، وهى : التواضع ، والحلم ، والتهجد ، والخوف ، وترك الإسراف والإقتار ، والبعد عن الشرك ، والتنزّه عن الزنا والقتل ، والتوبة ، وتجنّب الكذب ، وقبول العظات ، والابتهال إلى الله ، وجزاء ذلك أن ينالوا الغرقة : وهى أعلى درجات الجنة. والحمد لله ربّ العالمين.
* * *
٦٠٧. سورة الشعراء
آياتها سبع وعشرون ومائتان ، كلها مكية إلا الآية : (أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ) (١٩٧) فقد نزلت فى المدينة توبيخا وتقريعا لكفّار مكة أنهم لم يؤمنوا بالقرآن ، وقيل : فلما سمعه علماء بنى إسرائيل تبيّن لهم عن علم أنه ككتابهم التوراة ، وقيل : هؤلاء مثل عبد الله بن سلام ؛ وكذلك الآيات الأربع الأخيرة من أول : (وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ) (٢٢٤) حتى (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) (٢٢٧) فإنها نزلت فى المدينة أيضا. وترتيب السورة فى المصحف السادسة والعشرون ، وكان نزولها بعد سورة