بمعنى الكثرة من الخير ، أو أنها الثناء الكثير على الله تعالى صاحب الأفضال والنّعم ، وقد زاد عطاؤه وكثر ، ومن تبارك يشتق اسمه تعالى «المبارك» ، اعتبره البعض من أسماء الله الحسنى ، وهو تعالى الذى يملك الضّر والنفع ، والموت والحياة والنشور ، وله ملك السموات والأرض ، ولم يتخذ ولدا ، ولم يكن له شريك فى الملك ، وخلق كل شىء فقدّره تقديرا ، ونزّل الفرقان على عبده محمد صلىاللهعليهوسلم ليكون للعالمين نذيرا ، ورغم ذلك اتخذ الكفّار من دونه آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ، ولو نظروا حولهم فى الكون لوجدوا ألف برهان ودليل على وجوده تعالى ، ووحدانيته ، وقدرته وعلمه ، فالليل جعله لهم لباسا ، وجعل فيه النوم سباتا ـ أى ثقيلا ، وجعل النهار نشورا ، أى ينتشر فيه الناس يبتغون من فضل الله ، ومدّ الظل وأنقصه دليلا على حركة الأرض حول الشمس ؛ وأرسل الرياح بشرى ، وأنزل من السماء المطر الطاهر ماؤه ، فيحيى به الأرض الموات ، وتسقى الأنعام والناس ، ومرج البحرين وخلط مائيهما العذب الفرات الحلو ، والملح الأجاج شديد الملوحة ، وجعل بينهما برزخا وحاجزا من قدرته لا يغلب أحدهما على صاحبه ، وخلق من ماء الرجل والأنثى (المنى) بشرا وجعله نسبا وصهرا ، ومع ذلك كفروا به سبحانه وعبدوا من دونه ما لا ينفعهم ولا يضرهم واستظهروا بهم ، مع أنه تعالى خالق السموات والأرض فى ستة أيام ، وليسأل عنه تعالى من يعرف آياته ونعمه من أهل الخبرة والعلم. وإنهم ليستنكفون أن يسجدوا له وهو الرحمن ، ويتساءلون على جهة الإنكار والتعجب ؛ وما الرحمن؟ وهو الله ، تبارك وتقدّس ، الذى جعل فى السماء الشمس سراجا وهّاجا ، والقمر منيرا ، وجعل لهما المنازل والبروج ، وأتبع الليل النهار ، فتبارك سبحانه جلّ شأنه ، وعزّ فرقانه ، والفرقان بخلاف القرآن ، والثانى هو الكتاب المقروء ، والأول هو مضمونه الذى يفرق بين الحق والباطل ، والحلال والحرام ، والظلم والعدل ، والإيمان والكفر ، والوعد والوعيد. وبسبب بركات هذا الفرقان على كل الناس ، سمّيت السورة باسمه ، مع أنهم كذّبوه لمّا أنزله الله على نبيّه ، ونسبوا إلى النبىّ صلىاللهعليهوسلم أنه الذى افتراه واختلقه ، وأن آخرين عاونوه فى اختلاقه ، قصدوا بذلك أمثال من اتهموه بهم ، كأبى فكيهة مولى بنى الحضرمىّ ، وعدّاس ، وجبر ، ووصفوا ما فيه بأنها قصص من الأساطير التى كانت عند القدماء ، تملى عليه ويكتتبها بكرة وأصيلا. وعابوا عليه أن يدّعى أنه مبعوث السماء مع أنه مثلهم يأكل الطعام ، ويرتاد الأسواق ، ويشترى ويبيع ويحترف ، ولو كان مبعوثا من السماء لأنزل معه ملك يعينه ويؤيده ويؤازره ، أو لأرسله ربّه فى أبّهة من اللباس ، ويملك الكنوز من الأموال والضياع والأملاك والبساتين ، وإذن لبانت عليه النعمة وأكرم من حوله