نرث الطباع كما نرث الشكل ، وهناك وراثة معنوية ، ووراثة بدنية ، وعائشة كانت مثلا يحتذى ، وتاريخها فى الإسلام من أعظم ما يمكن أن يكون تاريخا لا مرأة عظيمة. ومن حادثة الإفك تستطرد السورة إلى آداب الأسرة وقاية للأسرة المسلمة ، فحظرت على المؤمنين والمؤمنات أن يدخلوا البيوت إلا بعد استئذان اهلها ، وأمرتهم أن يغضّوا أبصارهم عمّا لا يحلّ لهم ، وأن يستروا أنفسهم ، وأن لا تبدى النساء زينتهن إلا ما ظهر منها ، وليحتشمن فى لباسهن ، وأن يساعد المسلمون فى زواج من لمّ يتزوج منهم من الرجال أو النساء ، وأن لا يتعلل المؤمن أو المؤمنة بالفقر فالله يعد من يتزوج رغم فقره أن يغنيه أو يغنيها ، والمهم أن يختار المؤمن والمؤمنة المسلمة الصالحة والمسلم الصالح ، ومن لم يجد نكاحا فليستعفف.
ومن أبرز آيات السورة آية النور التى تقول : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ ...) (٣٥) وليس المعنى أنه تعالى نور كالأنوار ، وجسم كالأجسام ، فهذا محال على الله عقلا ونقلا ، وإنما المعنى أن لله قدرات أنارت أضواؤها ، واستقامت أمورها ، وقامت مصنوعاتها ، فالكلام على التقريب للذهن ، وهو تعالى منوّر السموات والأرض وسمّى الله صفة دلائله التى يقذفها فى قلب المؤمن ـ نورا ، وسمّى كتابه القرآن نورا ، وسمّى نبيّه صلىاللهعليهوسلم نورا ، فقال : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً) (١٧٤) (النساء) يعنى كتابا ، وقال : (قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ) (١٥) (المائدة) يعنى رسولا ، ومثّل نوره بنور المصباح فى زجاجة ، يوقد من زيت شجرة مباركة ، قيل هى الزيتون ، لا شرقية ولا غربية ، وهو مثل ضربه الله تعالى لنوره ، فاجتمع ضوء المصباح ، مع ضوء الزجاجة ، مع ضوء الزيت ، فصار لذلك النور على النور ، وقيل : هذه الأنوار هى براهين وجود الله ، فهى برهان بعد برهان ، وتنبيه بعد تنبيه ، ورسول بعد رسول ، وكتاب بعد كتاب ، وموعظة إثر موعظة ، تتكرر لعل الناس تتعظ بها وتعتبر. وفى آية النور كان لا يمكن أن يضرب الله المثل لنوره المعظّم إلا ببعض خلقه ، ولو لا ذلك ما عرف الله إلا الله ، ولقصر فهم الناس. ومثل نور الله وهداه فى قلب المؤمن كالزيت الصافى يضيء قبل أن تمسّه النار ، فإن مسّته زاد الضوء ، فكذلك قلب المؤمن يكاد ينطق بالهدى قبل أن يأتيه العلم ، فإذا جاءه العلم زاده هدى على هدى ونورا على نور. والمساجد هى بيوت الله التى يتعبّد له فيها المؤمنون ، يذكرونه بالغدو والآصال ، ولا تلهيهم تجارة ولا بيع. ومثل أعمال الكافرين مثل السراب ، يأتيه الظمآن فلا يجده شيئا ، ويجد الله عنده يستوفيه الحساب ، أو مثل الظلمات فى البحر اللجىّ ، تغشاه الأمواج فوق بعضها ، ثم السحاب ، فهو فى ظلمات فوق ظلمات ، نقيض النور على النور