من قوله تعالى فيها : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ ...) (٣٥) وتستهل السورة بالتوصيف والتقديم لها : (سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (١) ، ومقصودها أحكام الأسرة والسلوك ، ولذا قالت فيها عائشة : علّموا بناتكم سورة النور». قالت ذلك لما فيها من آداب تهم البنات خصوصا. وفرائض السورة كثيرة ، وقوله تعالى إنها «سورة» لمنزلتها وشرفها ، لأن «السورة» من السّور الذى من شأنه أن يحوط الأشياء ويمنع عنها. والسورة تعليمية بالنسبة للنساء ، وتعرّف معنى البيت المسلم والأسرة المسلمة ، وابتداء السورة بالكلام فى الزنى ، وابتداء أى كلام فى الأخلاق يكون بالمسألة الجنسية ، والمناسبة التى استدعت نزول هذه الآية : أن رجلا من المسلمين أراد أن يتزوج امرأة كانت تسافح الرجال ، فنزلت الآية فى عقاب الزنى وبيان حدّه ، ثم فى تحريم الزواج من الزناة الرجال والنساء على السواء. والزنى فى اللغة معروف قبل الشرع ، وهو فى اليهودية ، وحدّه عندهم الرجم ، ولا حدّ له فى النصرانية ولا عقاب عليه ، ولهذا دعوة العلمانيين من أهل الغرب أن لا يعاقبوا عليه ، وأن يبيحوه ، وأن يسقطوا اسمه «الزنى» باعتبار العقاب عليه لا يتوافق مع القول بالحرية الشخصية. والزنى : هو وطء الرجل امرأة لا يحلّ له وطؤها بشرط مطاوعتها. وعقوبة الزنى الجلد ، بقوله تعالى : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (٢) ، وكما ترى فليس من العقوبة الرجم ولا التغريب. والذكر فى العقوبة كالأنثى ، والبدء فى الآية أولا بالزانية الأنثى ، لأن الزنى بالنساء كان فى كل العصور أفشى ، وهو الآن كما كان فى السالف وكما سيكون فى الغد ، والفرق بين الأمس واليوم ، أن بغايا الزمن السالف كن ينصبن رايات على بيوتهن ، وكن يتخذنها خارج الكتلة السكنية ، وأما المرأة اليوم فترتكب الزنى فى بيتها وفى غير بيتها. والمرأة الزانية على أى حال تجاهر بالزنى أكثر من الرجل ، وزينتها وتبرجها يعلنان عنها ، والزانية أعرّ لأسرتها وأهلها ، وثبت فى الطب النفسى أن شهوة المرأة أضعاف شهوة الرجل ، وتدفعها دفعا للزنى إن لم تحذرها ، وإن كان الحياء قد ركّب فى المرأة ، وهو مع ذلك إعلان عمّا يدور داخلها من صراعات جنسية تفلح فى كبتها ، وتظهر آثارها عليها فى احمرار الوجه وتلعثم اللسان واضطراب المشية ، فإذا ذهب عن المرأة حياءها فإنها تستغنى عن السمعة والشرف ، وتسرف فى الانحلال والتفريط فى نفسها. ولهذا قدّمت الآية الزانية على الزانى. والجلد للزنى أشد من الجلد لتعاطى الخمر ، وجلد شارب الخمر أشد من جلد القذف. وجلد الزانى أو الزانية مؤلم ولكنه لا يجرح ولا يبضع ، ويكون فى الظهر قائما.