يعرفها الجميع ، ولكن ما من أحد يستطيع أن يأتى بمثل سور القرآن ، أو حتى بآية ، ولو ظاهر بعضهم البعض. وقوله تعالى : (الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ) (١) قسم بهذه الحروف بأن آيات هذا القرآن المعجز منها ، وفيها الحكمة كلها ، كقوله : (الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ) (١) (هود) ، والحكيم هو المحكم : يحكمه الحلال والحرام والحدود ؛ أو هو الحاكم : يحكم بالحلال والحرام ، ويحكم بين الناس بالحق ، كقوله تعالى : (وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ) (٢١٣) (البقرة) ، أو هو المحكوم فيه ـ أى فى الكتاب ، يحكم الله فيه بالعدل والإحسان ، والنهى عن الفحشاء ، والمنكر ، ويحكم بالجنة للمطيعين ، وبالنار للعاصين ؛ والحكيم : هو المحكم من الباطل ، فلا كذب فيه ولا اختلاف. ولهذا قيل إن قريشا لم تستصغر القرآن ، وإنما كان استصغارها لمحمد صلىاللهعليهوسلم ، فكبر عليها أن يكون هو بالذات مبعوث الله بهذا القرآن ، كقوله تعالى : (أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ) (٢) ، وفيه تعجّب من موقفهم ، وتوبيخ لهم ، فليس عجبا أن يوحى إلى رجل منهم ، ولكن اعتراضهم كان لسبب آخر ، قالوا : ما وجد الله من يرسله إلا يتيم أبى طالب؟! ولما استمعوا لنذارته وبشارته تعجبوا أكثر ونسبوا إليه السحر ، وكأن ما يقوله القرآن فى الله تعالى لا يعدو كلاما ساحرا ، والله تعالى يقول : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ) (٣) ، ويعدّد كبرهان له آياته تعالى فى الكون ، فهو الذى يبدأ الخلق ثم يعيده ، وجعل الشمس ضياء والقمر نورا ، والناس حيال هذه الآيات إما غافلون ـ وهؤلاء إيمانهم فقط بهذه الحياة الدنيا ، وإما مؤمنون صالحون ولهم الجنة : (دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (١٠) ، ولو عجّل الله للناس العقوبة كما يستعجلون الثواب لتوفّاهم ، ولقد أهلك القرون الأولى لمّا ظلموا وجاءتهم رسلهم بالبينات ، وهؤلاء الكفرة من أهل مكة تنزّل عليهم القرآن فما آمنوا ، وطلبوا تبديله ، وفرق بين تبديله وأن يأتى بقرآن آخر ، فالقرآن الآخر لا يجوز أن يكون النبىّ المنزّل عليه محمدا ، وأما التبديل فيجوز. وتبديله يعنى إسقاط ما فيه من تعيب لآلهتهم ، وتسفيه لأحلامهم. ولو شاء الله ما أعلمهم بالقرآن أصلا ، وما أرسل النبىّ صلىاللهعليهوسلم إليهم ، وليتهم عبدوا إلها ينفعهم ، أو ليت ما يعبدون يشفعون لهم حقيقة يوم القيامة؟! وما كان الناس فى أول الخلق إلا أمة واحدة ، وكانوا يعبدون الله ، ثم كثروا واختلفوا ، وأهل مكة طالبوا النبىّ صلىاللهعليهوسلم بآية من الله ، ولم يعجبهم القرآن كآية ، مع أن الآيات فى أنفسهم ومن حولهم ، فلو مسّهم الضر يصرخون بالإيمان ، أفليس فى ذلك آية؟ وإذا ارتفع عنهم الضر عادوا للعصيان ؛ وإذا