ويحرص عليهم ويرأف بهم ، فإن تولوا بعد كل ذلك ـ والخطاب للنبىّ صلىاللهعليهوسلم ولأمة الإسلام من بعده ، فحسبه الله لا إله إلا هو ، وهو ربّ العرش العظيم. والحمد لله ربّ العالمين.
* * *
٥٩١. سورة يونس
السورة مكية ، وكما قيل إلا الآية : (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ) (٩٤) ، فإنها مدنية ، ونزلت فى اليهود ، وهناك أقوال أخرى بأن آيات أخرى من السورة مدنية ، إلا أن السورة فى عمومها متناسقة ، ومعانيها متوافقة ، ويطبعها جميعها الطابع العام للسور المكية ، من حيث الاهتمام بأصول العقيدة ، ومناقشة معانى الإيمان بالله ، والاستدلال على وحدانيته ، والبرهنة على البعث والجزاء ، والاستشهاد بقصص الأنبياء ، وأخبار الأمم السابقة ، والتنبيه إلى عظمة القرآن ، وأنه المعجزة التى انفرد بها النبىّ صلىاللهعليهوسلم. وهذه السورة فى المصحف هى العاشرة فى الترتيب ، وفى التنزيل هى الواحدة والخمسون ، وكان نزولها بعد سورة الإسراء ؛ واسمها سورة يونس ، لأنها تحدثت ضمن من استشهدت بهم من الأنبياء كنوح وموسى وهارون ، عن موقف النبىّ يونس مع قومه ، ورغم أن نصيب يونس من السورة آية واحدة ، وتأتى فى آخر السورة ، إلا أن قوم يونس كانوا جميعا من المؤمنين ، على عكس قوم نوح وموسى وهارون ، فاستحقوا مصيرا مختلفا عن مصائر أقوام الأنبياء الآخرين ، بقوله تعالى : (فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ) (٩٨) ، وفى الحديث الصحيح : «عرض علىّ الأنبياء ، فجعل النبىّ يمر ومعه الفئام (أى الجماعة) من الناس ، والنبىّ يمر معه الرجل ، والنبىّ معه الرجلان ، والنبىّ ليس معه أحد ...» ثم ذكر كثرة أتباع موسى ، وكثرة أمته صلىاللهعليهوسلم ، كثرة سدّت الخافقين. والغرض أن قوم يونس كانوا نسيج وحدهم ، ومضرب الأمثال فى الإيمان ، وهم أهل نينوى بالعراق ، فلما هجرهم يونس وظنوا أن العذاب قد دنا منهم ، أقرّوا بالتوبة ، ولبسوا المسوح ، ولجأوا إلى الله نادمين ، فعاد إليهم يونس فكشف عنهم العذاب ، فصاروا عبرة المعتبر ، ولعل كفار مكة يتعظون بقصتهم.
وتبدأ سورة يونس بالحروف المقطّعة (الر) (ألف لام راء) ، كخمس سور أخرى ، هى بحسب ترتيب التنزيل : يونس ، ثم هود ، ثم يوسف ، ثم الحجر ، ثم إبراهيم. وهذه الحروف من حروف الأبجدية ، إشارة إلى أن القرآن هو من هذه الحروف البسيطة التى