الفقراء ؛ والمؤلفة قلوبهم : وذلك مصطلح لم يرد فى القرآن لغير قسم الصدقات ، وكانوا فى صدر الإسلام يتألّفون بعض الناس ، بدفع سهم من الصدقة إليهم ، لضعف يقينهم ، وكان هؤلاء لا يسلمون بالإقناع ولا حتى بالقهر والسيف ، إلا بالمال. وقيل المشركون ثلاثة : صنف يرجع بإقامة البرهان ، وصنف بالقهر ، وصنف بالإحسان. ومن هؤلاء الأخيرين : المؤلفة قلوبهم ، وكان منهم عيينة بن حصن ، وكان مغموزا عليه ؛ ومنهم متفاضلون كالحارث ابن هشام ، وحكيم بن حزام وعكرمة بن أبى جهل ، وسهيل بن عمرو ، ومنهم دون ذلك. وعدّ من المؤلف قلوبهم أبو سفيان بن حرب. ومن الصدقات يجوز أن تشترى الرقاب فتعتق ، أو تفك ، أو يعان فى ثمنها. والغارمون ممن يستحقون أن تشملهم الصدقات ، هم الذين ركبهم الدين ولا وفاء عندهم ؛ وفى سبيل الله : هم الغزاة وموضع الرباط ، يعطون ما ينفقون فى غزوهم ، سواء كانوا أغنياء أو فقراء ؛ وابن السبيل : والسبيل هو الطريق ، وابن السبيل هو المسافر الذى تنقطع به الأسباب فى سفره عن بلده ومستقره وماله.
وتعظ السورة النبىّ صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين أن يجاهدوا الكفار من أهل الكتاب والمنافقين ، وأن يغلظوا عليهم ، فبعضهم من بعض ، يأمرون بالمنكر ، وينهون عن المعروف ، ويقبضون أيديهم ، وبعضهم قال كلمة الكفر بعد إسلامه ، أى سبّ النبىّ والإسلام ، وبعضهم يلمز المطّوعين من المؤمنين فيما يقدمونه من الصدقات ، وبعضهم قعد عن القتال بدعوى شدّة الحر ، وهؤلاء هم الخوالف ، فلم يستعن بهم بعد تبوك ، وأمر المسلمون أن لا يصلّوا على الخوالف إذا ماتوا ، مثل عبد الله بن أبىّ بن أبى سلول ، وتطلق السورة على المعتذرين بغير عذر من الخوالف اسم المعذّرون ، وأما الضعفاء والمرضى والذين لا يجدون ما ينفقون فهؤلاء لهم أعذارهم حقا ولا تثريب عليهم. والأعراب أشد كفرا ونفاقا من المنافقين ، وهؤلاء هم أهل البوادى من حول المدينة ومن أهلها ، ومنهم من يؤمن بالله وينفق بإخلاص قربات إلى الله. ومن المنافقين أصحاب المسجد الضرار ، اتخذوه ليكون مركزا لهم لنشر إشاعاتهم والتفريق بين المسلمين ، فأحرقه المسلمون وهدموه ، وأمروا أن لا يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى ، ومثلهم كمثل إبراهيم ، فقد وعد أباه أن يستغفر له ، فلما تبيّن له أنه عدو الله تبرّأ منه. ولقد تاب الله على النبىّ صلىاللهعليهوسلم والمهاجرين والأنصار الذين اتّبعوه فى ساعة العسرة ، من بعد ما كاد يزيغ قلوب بعضهم ؛ وساعة العسرة هى التى اشتد فيها القتال وبلغ الجوع والعطش بالمسلمين مداهما. وكذلك تاب على الثلاثة المخلّفين ، وهم : كعب بن مالك ، ومرارة بن ربيعة العامرى ، وهلال بن أمية الواقفى. وما كان على المسلمين أن ينفروا كافة ، فالجهاد ليس على الأعيان ، والرسول صلىاللهعليهوسلم يعزّ عليه معاناتهم ،