والفقير الحرّ ، ويخفف عن الضعيف. وأما أهل الصلح فما صولحوا عليه ، ومن يسلم تسقط عنه الجزية ، ومن يدفع الجزية يدفعها عن يد ، يعنى بنفسه غير مستنيب فيها. وأهل الكتاب هم النصارى واليهود ، وهؤلاء هم الكفار ، لأنهم قالوا مثلما قال الذين كفروا ، فاليهود ألّهوا عزير ، واعتقدوا ما كتبه من الأسفار هو توراة موسى وألواحه ، وأنه موحى إليه ولا ينطق عن الهوى ، وما كان من الممكن أن يكتب الأسفار دون أن يكون بمثابة الابن لله وقد آثره الله بعلمه ؛ والنصارى قالوا المسيح ابن الله ، أرادوا بذلك عكس ما أراد اليهود ، فاليهود أرادوا ببنوة عزير لله أنها بنوة رحمة ، وأما النصارى فأرادوا ببنوة عيسى لله بنوة نسل ، واتخذ اليهود أحبارهم أربابا ، واتخذ النصارى رهبانهم أربابا ، وما أمرت الطائفتان إلا ليعبدوا الله الواحد لا إله إلا هو سبحانه عمّا يشركون ، وكثير من هؤلاء وهؤلاء ليأكلون السّحت ، ويشهدون بالباطل ، وينكرون الحق. وقد أمر المسلمون أن يقاتلوا المشركين كافة لمّا ثبت أن المشركين يقاتلونهم كافة ، إلا فى الشهور الحرم ، ولا يحاولون أن يؤخّروا شهرا منها أو يقدّموه ، كما كان المشركون يفعلون. وتأخير الشهور أو تقديمها كان يسمونه النسيء. وتحضّ السورة المسلمين على القتال ، وتستنفرهم ، وتعيب عليهم أن يثّاقلوا إلى الأرض. وتروى كيف نصر الله تعالى نبيّه إذ أخرجه المشركون ثانى اثنين ، والأول هو أبو بكر ، سمّته «صاحبه» ، كقوله تعالى : (إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا) (٤٠) ، وذلك من فضائل أبى بكر ، ودليل على أنه الخليفة بعد النبىّ صلىاللهعليهوسلم. وتعيب السورة على المسلمين قعودهم عن الانتصار للنّبىّ صلىاللهعليهوسلم ، واستصعابهم للسفر معه إلى تبوك ، ولو كانت المسافة أقرب لاتّبعوه. وتأخذ على النبىّ صلىاللهعليهوسلم أن وافق على استئذانهم ولم يتبين صدقهم فيه ، وما كان استئذانهم فى الحقيقة إلا لأنهم ما كانوا مؤمنين ، وارتابت قلوبهم ، ولو خرجوا مع المسلمين لأسرعوا فيما بينهم بالإفساد والإيضاع. ومن علامات هؤلاء المنافقين أنهم لا يأتون الصلاة إلا كسالى ، ولا ينفقون إلا وهم كارهون ، ويحلفون أنهم من المسلمين ، وما هم منهم ، ويلمزون النبىّ صلىاللهعليهوسلم فى الصدقات ، أى يطعنون عليه ، فإن أعطاهم منها رضوا ، وإن لم يعطهم سخطوا ، مع أن الصدقات لا يستحقونها ولها منصرفاتها ؛ وبيّنت السورة سبع منصرفات للصدقات ، والمقصود بها صدقات الفرض ؛ وأولى هذه المتصرفات الفقراء ، ثم المساكين : والفقير أحسن حالا من المسكين ، وله بعض ما يكفيه ويقيمه ، والمسكين لا شىء له ، وأشد حاجة من الفقير ، ويستوى فى الصدقات أن يكون مستحقا مسلما أو ذميا ، فكلاهما تجوز عليه الصدقة. ومن المستحقين : العاملون عليها : وهم جباة الصدقات ، وكانوا يتقاضون على ذلك ثمنا لتعطيلهم أنفسهم لمصلحة