كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٥) ، هى آية السيف ، وأنها تنسخ كل آية فى القرآن فى ذكر الإعراض عن المشركين ، والصبر على أذى الأعداء. والصحيح أنها لم تنسخ أيا من هذه الآيات ولم تنسخها بدورها الآية : (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً) (٤) (محمد) ، يعنى لا يقتل أسير صبرا ، فإما أن يمن عليه وإما أن يفادى. وقيل : إن هذه الآية الأخيرة من سورة محمد تنسخها آية السيف ، فإنه لا يجوز مع الأسارى من المشركين إلا القتل. والصحيح أن الآيات كلها محكمة ، لأن الإعراض ، والصبر على الأذى ، والمن ، والقتل ، والفداء فى الأسرى ، كل ذلك لم يزل من حكم النبىّ صلىاللهعليهوسلم من أول حرب حارب فيها المشركين ، وهى يوم بدر ، بدليل قوله تعالى : (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٥) ، وهى حالات ليس فيها القتل المباشر ، وفيها التخيير ، والقتل فيها معلّق على الشرك ، ومتوقف عليه ، فإذا زال الشرك زال القتل بزواله. وكيف يكون القتل مباشرة وهو تعالى يقول : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ) (٦) ، يعنى أنه لا يقتل ، وأن الحربى إذا وجد فى طريق بلاد المسلمين وطلب الأمان ، فلا يؤذى ، ويردّ إلى مأمنه ، وكذلك التاجر لا يتعرض له حتى يبيع ، ولا تجعل الآية : (ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ) (١٧) للمشركين تولّى أحكام المساجد ودخولها. ويثبت الإيمان لمن يعمر المساجد بالصلاة فيها ويصلحها وينظّفها.
وفى السورة عن يوم حنين أن المسلمين أعجبتهم كثرتهم فلم تغن عنهم شيئا ، وانهزموا وضاقت عليهم الأرض بما رحبت ، وولّوا مدبرين ، وأنزل الله سكينته على رسوله والمؤمنين ، وأنزل ربّ الجنود جنوده وعذّب بهم الذين كفروا ، قيل كان النبىّ يحصبهم بالحصيات ، ويقول : «انهزموا وربّ محمد» ، فانقلبت المعركة ضد الهوازيين ، وفى هذه الغزوة أباح الرسول صلىاللهعليهوسلم سلب القتلى ، ولهذا صارت لغزوة حنين أحكام ضمن الأحكام. وحنين واد بين مكة والطائف.
وفى سورة براءة : أن المشركين نجس فلا يقربوا المسجد الحرام ، وذلك عام فى سائر المساجد ، وكان ذلك التحريم سنة تسع هجرية. وآية القتال فى السورة لأهل الكتاب هى الآية : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ) (٢٩). والجزية لا تقبل إلا من أهل الكتاب خاصة. وهم أهل الذمة ، وأقلها دينار عن الفرد البالغ الغنى