وفى التنزيل عموما الثالثة عشرة بعد المائة ، وكانت من أواخر ما نزل على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وقيل : آخر سورة نزلت من القرآن : سورة براءة ، أى «التوبة» ؛ وقيل : إن أول هذه السورة نزلت على رسول الله صلىاللهعليهوسلم عند مرجعه من غزوة تبوك ، وفى تلك السنة بعث أبا بكر الصدّيق أميرا على الحج ليقيم للناس مناسكهم ، ويعلّم المشركين أن لا يحجّوا بعد عامهم هذا ، وينادى فى الناس : (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) (١) ، فلما فعل اتبعه بعلىّ بن أبى طالب ليبلّغ ما فى السورة من الأحكام. وكان نزول سورة براءة فى السنة التاسعة من الهجرة ، وهى السنة التى خرج فيها الرسول صلىاللهعليهوسلم ليغزو الروم ، ورفض الرسول صلىاللهعليهوسلم أن يحج فى تلك السنة وأوكل أمر الحج إلى أبى بكر ، لأنه كما قال : «إنما يحضر المشركون فيطوفون عراة ، فلا أحب أن أحج حتى لا يكون ذلك» ، يعنى إلى أن يبطل حجّ المشركين وطوافهم عراة. وسورة براءة حرّمت ذلك بعد تلك السنة.
وتتناول السورة أربعة أصناف من الناس ، هم : المشركون ، وأهل الكتاب ، والمؤمنون ، والمنافقون ، وهؤلاء الأربعة هم الذين تحدثت السورة بشأنهم ، وكانت أغلب الآيات عن المنافقين ، ثم المشركين ، ثم المؤمنين ، ثم أهل الكتاب. وسميت السورة «براءة» : باعتبار استفتاحها بقوله تعالى : (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (١) ، وهذا هو أهم ما تنزّلت به ، ومن أجله أرسل أبو بكر إلى مكة فى موسم الحج حيث الوفود من كل مكان ، ليعلمهم أن الحج بعد هذا العام للمسلمين وحدهم ؛ وسمّيت «التوبة» : بسبب قوله تعالى : (لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) (١١٧) ، وقوله : (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (١١٨) ، وقوله : (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ وَأَنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (١٠٤) ؛ وسميت «الفاضحة» لأنها فضحت المنافقين وكشفت أسرارهم. ولمّا سئل ابن عباس عن سورة براءة قال : «تلك الفاضحة»!. وقال حذيفة بن اليمان : إنكم تسمونها سورة التوبة ، وإنما هى سورة العذاب! والله ما تركت أحدا من المنافقين إلا نالت منه!
وسورة براءة أو التوبة هى الوحيدة فى القرآن التى سقطت فيها البسملة فى مصحف عثمان ، وقيل إن سبب ذلك أن العرب كانوا إذا نقضوا عهدا يكتبون لمن نقضوا عهدهم به ، ولا يضمّنوا أول السورة «بسم الله الرحمن الرحيم» ، فلما نزلت السورة بنقض العهد مع المشركين ، وأرسل علىّ ليقرأها عليهم ، لم يبسمل على ما جرت العادة به ، وإذن فعلى هو