عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٧) لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٦٨) فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٦٩) ، فأحلّ الله لهم الغنائم لأول مرة ، وأن يتخذوا من إجراءات الحرب ما يبعث الرعب فى قلوب الأعداء ولا يطمئنهم إلى مصائرهم. والفدية تطمئنهم ، ولكن أن يعرفوا أنهم مقتولون ، ثم يسمع قومهم بقتلهم ، فهذا معناه كسب المعركة المعنوية قبل المعركة بالسلاح والعتاد ، وفى الحديث عنه صلىاللهعليهوسلم يشرح ذلك أكثر فيقول : «أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلى : نصرت بالرعب مسيرة شهر ؛ وجعلت لى الأرض مسجدا وطهورا ؛ وأحلت لى الغنائم ولم تحلّ لأحد قبلى ؛ وأعطيت الفاتحة ؛ وكان النبىّ يبعث إلى قومه وبعثت إلى الناس عامة». وفى السورة تذكير بما كان مع النبىّ صلىاللهعليهوسلم يوم أن تآمروا عليه فى مكة ليقتلوه : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) (٣٠). وكان عمّ النبىّ صلىاللهعليهوسلم أبو طالب قد أرسل إليه يحذّره ، قال : هل تدرى ما ائتمروا بك؟ قال : «يريدون أن يسجنونى ، أو يقتلونى ، أو يخرجونى» ، وكانوا قد أعدّوا لذلك غلاما من كل قبيلة وسيطا يعطى سيفا صارما ، ثم يضربونه ضربة رجل واحد فيتفرّق دمه فى القبائل كلها ، فلم يبت ليلتها فى بيته ، وحلّ مكانه علىّ ، وأذن له فى الخروج من مكة ، وأنزل الله الأنفال فى المدينة بعد بدر ، فى رمضان من السنة الثانية للهجرة.
وفى سورة الأنفال تأتى الآية العظيمة : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ) (٦٠) ، وفى شرح الآية قال صلىاللهعليهوسلم : «ألا إن القوة الرمى» ، والرمى الحديث هو الرمى بالمدفعية والصواريخ ، برا وبحرا وجوا ، فالقوة الرئيسية فى الحروب منذ خلقها الله وحتى الآن هى : «الرمى».
وتختتم السورة بالحضّ على أن يوالى المؤمنون بعضهم البعض ، وتوالى كل الفئات والطوائف بعضهم البعض ، والأمة الإسلامية بأسرها ، وعليهم أن ينتصروا معا لمن يستنصرهم من إخوانهم بأى أرض أو بقعة من الأرض ، مثلما أن الكفار بعضهم أولياء بعض ، وإن لم يفعلوا تكن فتنة فى الأرض وفساد كبير. والحمد لله رب العالمين.
* * *
٥٩٠. سورة التوبة
سورة مدنية ، وقيل إلا الآيتين الأخيرتين فمكيتان ، وآياتها تسع وعشرون ومائة ، نزلت بعد سورة المائدة ، وترتيبها فى المصحف التاسعة ، وفى التنزيل المدنى السابعة والعشرون ،