وقال : «إن الله يحب الصمت عند ثلاث ..» وذكر منها الزحف ، إلا أن يذكر المجاهد ربّه كثيرا ، فيدعوه ويستعينه ، وليس أقرب من الله للمؤمن عند القتال ، وليس أذكر لله من المؤمن إذا احتدمت المعركة ، ولو لا ذلك ما أمر الله بالصلاة أثناء القتال ، وما أمر بالثبات والصبر ، فلا يفروا ، ولا ينكلوا ، ولا يجبنوا ، وأن يذكروا الله ولا ينسوه ، ويتوكلوا عليه ، ولا يتنازعوا فيما بينهم فيختلفوا ، فيكون الخذلان والفشل ، وتذهب ريحهم وقوتهم ووحدتهم ، وبمثل ذلك فتح المسلمون الأمصار شرقا وغربا فى المدة اليسيرة ، مع قلة عددهم ، وامتدت بلاد الإسلام فى المشارق والمغارب فى أقل من ثلاثين سنة ، عند ما كان القرآن هو دستورهم ، وسورة كالأنفال هى كتاب الحرب عندهم ، يرجعون إليها ويستشهدون بآياتها ، ويطبقون حرفياتها.
والأنفال التى أطلق على السورة اسمها ، هى ما زاد على المغانم ، تستخلصها من أموال أهل الحرب جماعات من الجيش أو أفراد ، ما كان من الممكن تحصيلها لو لا همّتهم فيها. وفى بدر حدث الخلاف حول الأنفال لا حول الغنائم ، لأنه منذ البداية كان معروفا أن الغنائم توزع بالتساوى بين أفراد المتحاربين ، فأما الأنفال فإن كل من حاز شيئا منها اعتقد أنها ملكه ، فأنكرت ذلك جماعة بدعوى أنهم شغلوا بحرب العدو لا بجمع الأنفال ، وكان فى استطاعتهم أن يفعلوا ذلك لو لا خوفهم أن يكرّ العدو على المسلمين ، ولذلك وجب أن يساوى بين الجميع فيها ، وقالت جماعة : لقد اضطررنا أن نبقى حول الرسول لئلا تغتاله يد آثمة ، والحال معهم جميعا ينبغى أن يكون على التساوى ، فنزلت سورة الأنفال ، وجاء اسمها فى أولى آياتها فى شكل سؤال موجه منهم للنّبىّ صلىاللهعليهوسلم ، والجواب من الله تعالى للتعليم والتوجيه ، ولقد جعلها الله تعالى للنّبىّ صلىاللهعليهوسلم يتصرف فيها وفق صالح المسلمين ، فجعلها الرسول صلىاللهعليهوسلم بالتساوى بين الجميع ، وقال تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (١). فهذه الآية خاصة بأن جعلت أمر الحكم فى الأنفال للرسول صلىاللهعليهوسلم ، ونزلت آية الخمس بعد هذه الآية ، لا لتنسخها وإنما لتبيّن أكثر ، طريقة توزيع الغنائم والأنفال ، قالت : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) (٤١) ، فجعل سهم الله وسهم الرسول صلىاللهعليهوسلم واحدا. وفى الحديث : «لله خمسها ، وأربعة أخماسها للجيش» يعنى المجاهدين ، وقال النبىّ صلىاللهعليهوسلم : «نصيبى معكم الخمس ، والخمس مردود عليكم» ، يعنى ينفقه فى مصالح المسلمين. ومنهم أقاربه ليغنيهم عن الصدقة ـ وصفها بغسالة الأيدى ، واليتامى الفقراء ، والمساكين المحاويج ، وابن السبيل المسافر وليس