العدو أفضل ، لأنه يفت فى عضد إخوانهم ، ويحبط جبهتهم الداخلية ، ويهزمهم نفسيا ، ويشفى صدور المؤمنين. وقائد المسلمين من شروطه أن يبث الطمأنينة بين قواته ، وفى بدر أنزل الله النعاس قبل المعركة على المسلمين أمنة من عنده. ومن خير حرفيات القتال الضرب فوق الأعناق ، وضرب كل بنان أى الأطراف ، وفى الحديث : «إنى لم أبعث لأعذّب بعذاب الله ، إنما بعثت لضرب الرقاب وشدّ الوثاق». والسورة تخاطب المجاهدين يوم بدر بقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) ست مرات ، تقوية لنفوسهم ، وإعلاء لكلمتهم ، ورفعا من شأنهم ، والإيمان الذى وصفوا به هو الذى يميّزهم عن عدوهم ، ويجعلهم الغالبين ، ويحفزهم أن يكونوا أكثر صبرا وثباتا ؛ وفى قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) أنه تعالى يكلّفهم بأشياء ، وما يكلّفهم به فى بدر جميعه لصالح المعركة ، فعليهم أولا : أن لا يولوا الأدبار إلا لو كان ذلك لما يسمونه الخداع الاستراتيجى ، وليأتوا العدو من مكان آخر على غرّة ، أو لينضموا إلى مجاهدين من دينهم معاونة لهم ؛ وعليهم ثانيا : أن يطيعوا الله ورسوله ولا يتولوا عنه أو يكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون ، وعليهم ثالثا : أن يستجيبوا لله وللرسول لما يحييهم ويصلحهم ، وفى الإسلام إحياؤهم ، وأخصّ الإسلام الجهاد فى سبيل الله ؛ وعليهم رابعا : أن يتركوا الخيانة ، والآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٧) وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (٢٨) ، قيل نزلت فى أبى لبابة بن عبد المنذر ، أو فى حاطب بن أبى بلتعة ، والأحرى أنها عامة فيمن يخون المسلمين ممالأة لعدوّهم لمكاسب مادية ، أو تأمينا للأهل والولد ؛ والأمانات هى ما يكلّف به زمن الحرب من أعمال عسكرية ، وكان بعض المسلمين يسمعون الحديث من النبىّ صلىاللهعليهوسلم ، فيفشونه حتى يبلغ أعداءهم ، فنهوا أن يخونوا الله ورسوله كما كان المنافقون يصنعون ، وفى الحديث : «ثلاث من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان : من كان الله ورسوله أحبّ إليه مما سواهما ، ومن كان يحب المرء لا يحبه إلا لله ، ومن كان أن يلقى فى النار أحب إليه من أن يرجع إلى الكفر بعد إذ أنقذه الله منه» ، وحب الله ورسوله عند المؤمن مقدّم على الأولاد والأموال والنفوس ؛ وعليهم خامسا : أن يتّقوا الله فيجعل لهم فرقانا ويكفّر عنهم سيئاتهم ويغفر لهم. والفرقان هو الفاصل بين الحق والباطل ، ومن اتقى الله بفعل أوامره وترك زواجره ، وفّق لمعرفة الحق من الباطل ؛ وعليهم سادسا : أن يثبتوا إذا واجهوا العدو ، وفى الحديث : «يا أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية ، فإذا لقيتموهم فاصبروا ، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف». وفى بدر قام النبىّ صلىاللهعليهوسلم وقال : «اللهم منزّل الكتاب ، ومجرى السحاب ، وهازم الأحزاب ، اهزمهم وانصرنا عليهم» ،