يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) (٣٠) ، إلى غاية الآية السادسة والثلاثين التي تقول : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) (٣٦) فإنها مكية ، وترتيب السورة فى المصحف الثامنة ، وفى التنزيل المدنى التاسعة والثلاثون ، وفى التنزيل بعامة الرابعة والتسعون ، وطابعها عسكرى ، وينبغى إقرارها ضمن مناهج الكليات العسكرية الإسلامية ، أسوة بإقرار سفر يشوع على الكليات العسكرية الإسرائيلية ، والسورة تعنى بالحرفيات العسكرية ، وحرفياتها من الثوابت العسكرية لا المتغيرات ، ومدارها غزوة بدر التى كانت فاتحة الغزوات فى تاريخ الإسلام ، وفيها كانت ممارسة القتال لأول مرة من قبل المؤمنين ، وتناولت السورة تفاصيل هذه الغزوة بإسهاب ، وفيها تقرر أن يكون عذاب الله للمكذّبين بطريق القتال ، بعد أن كان فى الأمم السابقة بطريق النوازل والنكبات والزلازل والفيضانات ، فقوم نوح أهلكهم بالطوفان ، وعاد الأولى أهلكهم بالدبور. وثمود بالصيحة ، وقوم لوط أهلكهم بالخسف وبمطر الحجارة ، وقوم شعيب بيوم الظلّة ، ولم يشرّع القتال إلا لموسى ، ثم لمحمد صلىاللهعليهوسلم ، ولأمة الإسلام. وسورة الأنفال هى : بلاغ للمؤمنين ، وبيان بما يجب عليهم فعله مع أعداء الله إذا نشبت الحرب معهم ، وسلوكهم فيها ، وما ذا يقبلون منهم وما ذا يرفضون. ولأن سورة الأنفال هى رصد لكل ما جرى ببدر أطلق عليها البعض سورة بدر ، واستنّت بدر حقائق عسكرية ثبتتها فى أذهان المسلمين ، فالفئة القليلة قد تهزم الفئة الكثيرة ، مثلما هزم المسلمون فى بدر ـ وكان عددهم ثلاثمائة وبضعة عشر ، صناديد قريش ـ وكان عددهم ألفا وزيادة ، والكم العديد لا يهم مقارنة بالكيف النفسى ، والإعداد المعنوى للجيش من أهم أركان التعبئة ، وأن تكون للجيش قضية أفضل من أن لا تكون له قضية ، وقضية الحق أولى بالنصرة من قضية الباطل. وفى الحرب إذا لقى المسلمون أعداءهم زحفا فلا ينبغى أن يولّوهم الأدبار ، إلا إن كان ذلك فرارا خداعيا ، أو أن يفاجئوا العدو ويأتوهم من خلفهم على غرّة ، أو لينضمّوا إلى فئة أو سرية من المسلمين تحتاج المعاونة. والإسلام فيه من يجتهد ويخطئ فى الحرب ، ولا يسمى فرّارا من يرى أنه أخطأ بتركه للمعركة ، وسمّاه النبىّ صلىاللهعليهوسلم «العكّار» ، أى العرّاف الذى يعمل عقله ويتصرف من نفسه. وفى الحديث : أن التولّى يوم الزحف من الموبقات السبع ، ومن يولّى الدّبر يبوء بغضب من الله ، والجهاد فرض عين على المسلمين إذا تهددت الدور وأخذت الأرض والأموال ، وهتكت الأعراض ، فهذه هى الحرب الإسلامية المشروعة. ومن دروس بدر أن الأسرى الأمر معهم على خيار ، فإما فداء ، وإما قتل ، وإما مبادلة بأسرى من المسلمين ، وقتل الصناديد من