آدم ، وأن تكون قصة الخلق مدارها آدم ، ولم يكن عجيبا أن يطلب لذلك من الملائكة أن تسجد له. وفى السورة أربعة نداءات متتالية لبنى آدم ، بيّن الله لنا فيها نتائج غواية الشيطان لآدم وزوجته ، فبعد أن طعما من الشجرة المحرّمة ، بانت عورتاهما ، فطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة ، ثم منّ الله على ذريتهما بلباس خير من ورق الشجر ، من الريش والشعر ، ثم هداهم إلى لباس التقوى ، ثم إنه تعالى حذّر بنى آدم : لا يفتنهم الشيطان كما أخرج أبويهم من الجنة ، ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما ، وإن الشيطان ليرى بنى آدم هو وقبيله ، وهم عراة من حيث لا يرونهم ، ويدعونهم لذلك إلى الفحشاء. ثم إن الله هدى بنى آدم إلى الإيمان ، فصاروا يعبدونه فى المساجد ، فأمرهم أن يزيّنوا كلما قصدوا المساجد ، تأكيدا لبهجة الإيمان عندهم ، وانتصارا لعنصر الخير فيهم على وسوسة الشيطان ، والتزيين أفضل للمساجد من التزيّن للفحشاء. ومثلما أردى الطعام وشهوة طلبه أبويهم ، فإنه تعالى أمر بنى آدم أن يأكلوا ويشربوا ولا يسرفوا ، ونبّه عليهم أنه تعالى سيرسل إليهم الرسل من بينهم ، ليبيّنوا لهم الأحكام والشرائع ، فمن اتّقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا يحزنون. فهذه هى النداءات الأربعة التى خوطب فيها بنى آدم باعتبارهم ورثة أبيهم آدم ، وهى نداءات خاصة بسورة الأعراف لم تتكرر فى سورة أخرى.
وسورة الأعراف تتوافق مع السور المكية ، وتبدأ البداية المعهودة ، فتذكّر بالقرآن ، وبأنه معجزة النبىّ صلىاللهعليهوسلم ، أنزل عليه من الله تعالى ، وتفتتح السورة لذلك بالحروف المقطّعة (المص) (١) (الأعراف) (ألف لام ميم صاد). وهى حروف من الأبجدية تأتى فى افتتاحيات بعض السور ، تذكيرا بأن القرآن العظيم هو من هذه الحروف البسيطة التى يعرفها الجميع ، ورغم ذلك لم يستطع أىّ من الذين أنكروا القرآن أن يأتوا بمثله ، ولقد ضاق الرسول صلىاللهعليهوسلم بإصرارهم على الإنكار ، وفى سورة الأعراف يرفع الله تعالى الحرج عن نبيّه صلىاللهعليهوسلم ، فليس عليه أن يؤمن المنذرون أو لا يأمنوا ، وكل ما عليه هو البلاغ ، ويوم القيامة يكون الحساب. وما كان تكذيب المكذّبين إلا لأن من طبع أغلب الناس أن لا يشكروا لله نعمه ، والكثير من اللوم يقع على الشيطان الذى أقسم أن يقعد لبنى آدم صراط الله المستقيم ، ويأتيهم من بين أيديهم ومن خلفهم ، وعن أيمانهم وعن شمائلهم ، يوسوس لهم بالشرّ والمنكر ، فكان عن حقّ الوسواس الخنّاس ، وكان عدو الإنسان وحزنه ، والله قد حرّم ما يوسوس به من الفواحش ، ما ظهر منا وما بطن ، ومن الإثم والبغى بغير الحق ، وأن يشرك به ، وأن يقال عنه ما لم يعلم عنه ، وما أظلم أن يفترى على الله الكذب ، أو يكذّب بقرآنه ، وهو الكتاب المفصّل على علم ، هدى ورحمة للمؤمنين.