وأصحاب النار ، ولكل سماته ، فهؤلاء مبتهجون فرحون ، وهؤلاء مكتئبون مغمومون ، فإذا وقعت أعينهم على أهل الجنة حيّوهم يرجون أن يكونوا مثلهم ، وإذا صادفت أعينهم أهل النار تعوّذوا أن يكونوا مثلهم ، وعابوا عليهم أنهم كانوا يستكبرون فى الدنيا ، ويسخرون من المستضعفين ، فها هم المستضعفون صاروا إلى الجنة ، وعندئذ يؤذّن أصحاب الأعراف : لعنة الله على الظالمين.
ومشهد أصحاب الأعراف من مشاهد يوم القيامة ، والحوار الذى يدور بينهم وبين أصحاب الجنة وأصحاب النار يبيّن ما يكون فيه أهل الحق ـ أى أصحاب الجنة ، من الشماتة بالمبطلين أصحاب النار. وسورة الأعراف من السور التى تهتم بالصراع بين قوى الخير والنور ، وبين قوى الشر والظلام ، وفيها قصة آدم مع إبليس ، وخروجه من الجنة ، وهبوطه إلى الأرض كنموذج لهذا الصراع ، والله تعالى ينتصر لقوى الخير فى الوجود ، وقد انتصر لآدم وذريته ، وهو قد خلق آدم من طين ، وصوّره ، ونفخ فيه من روحه ، وعلّمه ، وأمر الملائكة أن تسجد له ، فانصاعوا إلا إبليس ، أبى واستكبر ، فكان أول من استكبر فى الوجود ، وعصى الله فكان أول من عصاه ، وحاجّه فكان أول من حاجّه ، وحسد آدم وغار منه ، فكان أول من حسد وأول من غار ، فكل الصفات السلبية كانت فيه ، وادّعى أنه فعل ما فعل لأنه من نار وآدم من طين : (قالَ ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) (١٢) ، فكان أول من قاس فى الوجود ، وأول من أخطأ فى القياس ، فالنار ليست الأشرف لأنها جوهر مضىء ، ولأنها مخزن الطاقة ، ولأنها الأخف وزنا ، والأكثر ارتفاعا وعلوا والأحدّ طبعا ، ولأنها مصدر خوف ووسيلة عذاب ، ومنافعها لا تنتهى ، بينما الطين محل قذارة وعطالة ، ومصدر أوبئة ، كما ادّعى إبليس ، ومن أجل ذلك رأى أن أصله أفضل من أصل آدم! والحق أن الطين أفضل ، لأنه سهل التشكيل ، ومطواع ، وأداة فى الفنون ، ولا زراعة ولا قوت إلا به ، ولا حيوانات بدون زراعة نباتات. والطين من التراب والماء ، والتراب طهور ومسجد ، وفى التراب مثوى الإنسان ، والماء لازم للحياة لزوم الهواء. وفى الطين سكون وهدوء ووقار وسكينة ، ومن التراب كانت أرض الجنة ، وترابها من الطيب والمسك الأذفر ـ أى الأطيب رائحة. ولذا كان خلق آدم من الطين خير وبركة. ومعنى أنه من الطين أنه ينتسب إلى الأرض ، فالأرض مأواه ومأوى ذريته ، بينما خلق إبليس من النار ، والنار مأواه. والإنسان ليس كله من طين ، وإنما جزء منه من نار هى الطاقة التى يتحرك بها وينفعل ويعمل ويشتهى ، وهى أصل الشهوات فى الإنسان. وإنها لنعمة كبرى أن يرجع أصل الإنسان إلى أب واحد هو