وحرّموا على أنفسهم وحللوا من الأطعمة ، وما حرّم الله سوى الشّرك ، وقتل الأولاد خشية إملاق ، والفواحش ، وقتل النفس التى حرّم الله إلا بالحق ، ومال اليتيم إلا بالتى هى أحسن حتى يبلغ أشده ، وخسران الميزان والكيل ، وأن تكلّف النفس أكثر من وسعها ، والظلم ، وأوصى بالوالدين إحسانا ، والوفاء بعهده تعالى ، واتّباع صراطه المستقيم. وكما أنزل الله الكتاب على موسى تماما على الذى أحسن وتفضيلا لكل شىء ، وهدى ورحمة ، فكذلك القرآن أنزله مباركا. ويأمر الله نبيّه صلىاللهعليهوسلم أن يقول إن دينه هو ملة إبراهيم حنيفا ، وأن صلاته ونسكه ومحياه لله ربّ العالمين ؛ وأنه أول المسلمين ، لا يبغى غير الله ربّا ؛ وأن كل نفس مسئولة عما كسبت ، ولا تزر وازرة وزر أخرى ؛ وإليه يرجع كل الخلق فينبؤهم بما كانوا فيه يختلفون ؛ وهو الذى جعلهم خلائف تخلف كل أمة التى سبقتها ، ورفع درجات بعضهم ليبلوهم فيما آتاهم ؛ وهو سريع العقاب وغفور رحيم. وهكذا تختم السورة خير ختام ، ولله تعالى الحمد والمنّة وهو حسبنا.
* * *
٥٨٨. سورة الأعراف
السورة مكية ، وهى أطول السور المكية ، وقيل إن الآيات مدنية من قوله تعالى : (وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) (١٦٣) إلى آخر الآية : (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ) (١٧٠) ، والصحيح أن السورة كلها مكية ، ونسقها واحد ؛ ويأتى ترتيبها فى المصحف السابعة ، وفى التنزيل التاسعة والثلاثون. وسميت بسورة الأعراف لاشتمالها على معلومة جديدة لم تتضمنها أية سورة أخرى من سور القرآن ، حيث يأتى الناس يوم القيامة إما أنهم أصحاب الجنة ، وإما أنهم أصحاب النار ، غير أن هناك مجموعة أخرى لا ينتمون إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ، وهم أصحاب الأعراف ، والأعراف جمع عرف ، تقول عرف الديك ، وعرف الفرس ، والأعراف : سور على الصراط له عرف ؛ وفى اللغة الأعراف هى المكان المشرف ، فهى شرف الصراط ؛ وأصحاب الأعراف هم : الذين استوت حسناتهم وسيئاتهم ، وفى الحديث : «توضع الموازين يوم القيامة ، فتوزن الحسنات والسيئات ، فمن رجحت حسناته على سيئاته دخل الجنة ، ومن رجحت سيئاته على حسناته دخل النار». وأصحاب الأعراف على السور بين الجنة والنار ، يقول تعالى : (وَبَيْنَهُما حِجابٌ وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ) (٤٦) ، أى أصحاب الجنة