وأنهم يطلبون أن تتنزل عليك آية كالتى كانت تتنزل على موسى وعيسى ، وهذا القرآن هو آيتك ومعجزتك ، وما فرط الله فيه من شيئ ، والله يستدرجهم ثم يأتيهم العذاب بغتة وهم مبلسون. ويعلّمه أن يقول لهم : ما عندى خزائن الله ، ولا أعلم الغيب ، ولا أنا ملك ، وما أتّبع إلا ما يوحى إلىّ ، ويأمره أن ينذر الذين يخافون أن يحشروا إلى ربّهم ليس لهم من دونه ولى ولا شفيع ، وأن لا يطرد الذين يدعون ربّهم بالغداة والعشى ، ويبشّرهم أن من عمل منهم سوءا بجهالة ثم تاب من بعد ذلك وأصلح فإنه غفور رحيم. والله عنده مفاتيح الغيب لا يعلمها إلا هو ، ويعظه أن يعرض عن الذين يخوضون فى آياته حتى يخوضوا فى حديث غيره. ويضرب المثل بقصة إبراهيم ، وإنكاره للقمر ثم الشمس ، وتوجّهه إلى الله فاطر السموات والأرض ، حنيفا غير مشرك ، ولمّا حاجّه قومه لم يخف وهو الأحق أن يخاف ، لأنه لم يلبس إيمانه بظلم ، ووهب الله له إسحاق ، ووهب إسحاق يعقوب ، وكلا هدى ، وهدى نوحا من قبل ، ومن ذريته : إبراهيم ، وداود ، وسليمان ، وأيوب ، ويوسف ، وموسى ، وهارون ، وزكريا ، ويحيى ، وعيسى ، وإلياس ، وإسماعيل ، واليسع ، ويونس ، ولوط ، وكلا جعله الله من الصالحين وفضّله على العالمين ، ولو أشركوا لحبط عملهم ، وآتاهم الكتاب والحكم والنبوة ، فبهداهم اهتدوا أيها الناس ، وهذا كتاب موسى تظهرون منه أيها اليهود ما تحبون ، وتخفون منه ما تخفون ، وما تفعلون إلا أنكم فى خوضكم تلعبون. ويخاطب النبىّ صلىاللهعليهوسلم : إن هذا القرآن مبارك ومصدّق لما سبقه ، ولتنذر به مكه وما حولها ، والله هو فالق الحبّ والنوى ، يخرج الحيى من الميت ، ويخرج الميت من الحيى ، فأنّى تصرفون؟ وجعلوا له شركاء الجن ، وهو بديع السموات والأرض ، فكيف يكون له ولد ولم تكن له صاحبة ، وخلق كل شىء ، لا إله إلا هو ، فاعبدوه ، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار. ولو أنه أنزل إليهم ملائكة ، ودفع الموتى لتكلّمهم ، وحشر عليهم كل شىء ، فلن يؤمنوا لأنهم قوم يجهلون ، والله لا مبدّل لكلماته ، وكلماته تمّت صدقا وعدلا. ويعلّم الله نبيّه أن لا يأكل إلّا مما ذكر اسمه تعالى عليه ، وأن يذر ظاهر الإثم وباطنه ، ويدع مجادلة المجرمين وهم فى كل قرية يمكرون فيها ، وما يمكرون إلا بأنفسهم ، ومن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ، ومن يرد أن يضلّه يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعّد فى السماء ، وما كان الله مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون ، ولكنه يرسل إليهم الرسل يقصّون عليهم آيات الله وينذرونهم ، وهو الغنى ذو الرحمة إن يشأ يذهب الكافرين ويستخلف من بعدهم من يشاء ، ويكفى من جهلهم أن يقتلوا أولادهم سفها بغير علم ، وحرّموا على أنفسهم نعم الله بدعوى قسمتها مع أصنامهم ،