الأحكام التنظيمية لجماعة المسلمين ، كالصوم والحج ، وأحكام الأسرة ، والاجتماع الإنسانى ، وأسس التشريع ، ولم تذكر شيئا من طرق الحرب ومناهج القتال ، وشئون السلم والصلح ، ولم تتحدث عن اليهود والنصارى ، ولم تذكر المنافقين ، وإنما تناولت قضايا العقيدة ، ومبادئ الإيمان ، وأصل التوحيد ، ومسائل الوحى ، وشئون الرسالة ، ومشكلة البعث والحساب والجزاء. وآيات سورة الأنعام مائة وخمس وستون آية ، وهى كما ترى من السور الطويلة ، وكان نزولها بعد سورة الحجر ، وجاء ترتيبها فى المصحف السادسة ، وفى التنزيل الخامسة والخمسين ، وسميت سورة الأنعام بسبب الآيات فيها التى تصف فعل العرب فى الجاهلية مع أنعامهم يهدونها إلى الله ، وهذه التقاليد توجز أحوالهم الاعتقادية ، والأنعام هى الإبل والبقر والغنم ، سميت أنعاما للين مشيها ووداعتها ، فجعلوا من ثم اسم السورة من اسم الأنعام ، من قوله تعالى : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً) (١٣٦). ومحور السورة مداره هذا الشرك المتمثل فى قسمة الأنعام. ثم إن الأنعام لها دور آخر مع اليهود كذلك ، فقد حرّموا على أنفسهم كلّ ذى ظفر ، ومن البقر والغنم شحومها ، فجازاهم الله بسبب هذا التحريم ، ومن أجل ذلك كان للأنعام مغزاها فى السورة ، فاستحقت أن تسمى السورة باسمها. والسورة تقوم على الحوار ، وتقرير الثوابت ، والتعليم من خلال السؤال والجواب. وفى البداية يكون الكلام لله تعالى معرّفا بنفسه ، حامدا لذاته : أن خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور ، ويتساءل : فهل بعد ذلك يعدلون به شركاء ويجعلون له أندادا؟ ويخاطب الناس فيقول لهم : خلقتم من طين وإلى أجل مسمى ، وكذلك خلقت الحياة إلى موعد الساعة ، ثم أنتم تتشككون؟ وهو الذى يعلم سرّهم وجهرهم وما يكسبون. ثم يخاطب النبىّ صلىاللهعليهوسلم فيخبره أنه ما تأتيهم من آية إلا أعرضوا عنها ، وكذّبوا بها ، ويسأله مستنكرا : ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم؟ ويؤكد عنادهم ، فلو نزّل عليهم كتابا من عنده ولمسوه بأيديهم كما طلبوا لأنكروه واعتبروه سحرا ، ولطلبوا طلبا آخر ، كأن يكون الرسول ملكا ، فكيف يكون ملكا وهم بشر؟ والطبيعى والمعقول أن يكون بشرا مثلهم ، وهذا أنت بشر ولكنهم لا يصدقوك؟! ويأمر نبيّه أن يطلب إليهم أن يسيروا فى الأرض وينظروا إلى آثار من سبقهم ، وكيف كان عاقبة تكذيبهم. ويملى عليه أن يقول لهم : أغير الله يتخذون وليا ، وهو فاطر السموات والأرض؟ ويعلّمه أنه لو مسّه الضّر فلن يكشفه عنه إلا الله ، وأنه القاهر فوق عباده ، لا إله إلا هو. ويخاطبه فيقول له : أنظر كيف كذبوا على أنفسهم؟ ويقول : لو ترى إذ وقفوا على النار ، ولو ترى إذا وقفوا على ربّهم؟ ويقول : قد نعلم أنه ليحزنك الذى يقولون ،