أشد الناس عداوة لهم ، وأن النصارى أقربهم مودة ، لأن قساوستهم ورهبانهم يعلّمونهم المودة ، فكلما سمعوا القرآن لانت قلوبهم ، وتحازنوا ، وفاضت دموعهم. وتناولت السورة اللغو فى الإيمان والتكفير عنه ، والنهى عن الأنصاب والأزلام ، وعن الخمر والميسر ـ أى القمار ؛ والأنصاب جمع نصب يكون من الحجارة للآلهة ، والأزلام هى استخدام القدح للاستقسام. وأحلت السورة صيد البحر وحرّمت صيد البر أثناء الإحرام ، لتثبّت الإحرام فى قلوب المحرمين ، تعظيما للكعبة ، وقياما لها ، فلا يقع فيها أذى ، ولقد أصلحها الله معاشا للناس فى أمور الدنيا والآخرة ، يلوذ بها الخائف ، ويأمن الضعيف ، ويربح التاجر ، ويتوجه إليها الحجيج ، وقد يحدث أن يمرض فى الحج من يخشى موته ، فعليه أن يوصى ويشهد اثنين ذوى عدل من رفاقه أو من غيرهم. والوصية والموت يذكّران بيوم القيامة عند ما يجمع الناس للحساب ، وسيحاسب النصارى عمّا قالوه عن عيسى. وتعرض السورة لقصة المائدة التى أيده الله بها ، ودفاع عيسى عن نفسه أنه تعالى أعلم بما قاله لقومه ، فلقد اتخذوه وأمه إلهين ـ ، فإذا كانت مريم أنجبت إلها ، وكانت علاقتها بالله ، فإنها تصبح إلاهة ، ولو لم يصرّح النصارى بذلك ، وعيسى وأمه بريئان مما زعمه هؤلاء عنهما ، ويوم القيامة هو يوم الصدق ، وسيظهر يومها أيهما الصادق ، عيس وأمه أو هؤلاء الحواريون الذين أضلوا الناس بعد عيسى. والحمد لله ربّ العالمين.
* * *
٥٨٧. سورة الأنعام
السورة مكية ، قيل إلا آيتين نزلتا بالمدينة ، الأولى قوله : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) (٩١) ، نزلت فى مالك بن الصيف ، وكعب بن الأشرف ، اليهوديين ، والأخرى قوله : (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (١٤١) ، نزلت فى ثابت بن قيس شماس الأنصارى ، وقيل نزلت فى معاذ بن جبل. والصحيح أن السورة أصل فى محاجة المشركين والمبتدعين ، والمكذّبين بالبعث والنشور ، وهذا نقيض إنزالها جملة واحدة ، لأنها فى معنى واحد من الحجّة وإن صرف ذلك بوجوه كثيرة. وفى السورة آيات تردّ على أصحاب الفرق الإسلامية ولو أن هذه الفرق ما كانت قد تكوّنت بعد ، إلا أن احتمالات ما تثيره من شكوك ردّت عليه السورة مقدّما ، وعلى ذلك فهذه السورة من السور التى يعتز بها طلاب الحكمة والفلسفة الإسلامية ، وقال فيها عمر بن الخطاب : الأنعام من نجائب القرآن ـ أى من نفائسه ، فهى لم تتناول كالسور المدنية