والتزام العدل بين الناس ، والاستمساك بميثاقه. وتحدثت السورة عن اليهود ، فذكرت فيهم نقضهم لميثاقهم مع ربّهم ، فاستحقوا اللعن ، وقست قلوبهم ، فحرّفوا التوراة وأوّلوها ، وصرفوها إلى غير معناها ، ونسوا ما ذكّروا به ، وأكلوا السّحت ، أى الحرام ، واتخذوا الخيانة دينهم ، واستمعوا للأكاذيب والتشنيعات وروّجوها ، وأوقعوا بين الناس ؛ وتحدثت السورة عن النصارى : فذكرت نسيانهم لميثاقهم مع ربّهم. وانقسامهم فرقا وطوائف بينها العداوة والبغضاء. ولقد كفروا إذا قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم ، ولو كان إلها لقدر أن يدفع عن نفسه ما نزل به ، وما كان المسيح إلا مخلوقا لله محدودا ومحصورا ، ولو كان اليهود والنصارى أبناء الله وأحباؤه لما عذّبهم بذنوبهم ، ولكنه توعّدهم بالعذاب ، فثبت أنهم بشر ممن خلق ، يغفر لمن يشاء منهم ، ويعذّب من يشاء ، كشأنه دائما مع كل البشر.
وبيّنت السورة أن النبىّ صلىاللهعليهوسلم قد أرسل إلى اليهود والنصارى كما أرسل إلى العرب ، وأن الله تعالى نزّل التوراة على اليهود ، كما نزّل الإنجيل على النصارى ، والقرآن على المسلمين ، وذلك ليستبق الجميع الخيرات ؛ وذكّرت بموسى وقصته مع بنى إسرائيل ، وعصيانهم له ، ومجازاتهم بالتيه أربعين سنة ؛ وذكّرت با بنىّ آدم : قابيل وهابيل ، وما كان بينهما من صراع صار رمزا للصراع بين قوى الخير وقوى الشر ، وكانت جريمة قتل هابيل أول جريمة فى الأرض يراق فيها دم ، وبسببها كان تجريم القتل وتشريع قصاص المثل ، وتجريم الحرابة أو المحاربة ، وهى قطع الطريق على الناس ومكابرتهم عن أنفسهم وأموالهم ، وتجريم السرقة وقطع يد السارق أو السارقة فى القليل مثل الكثير ، تحذيرا بالقليل عن الكثير. وحذّرت السورة من اتخاذ اليهود والنصارى أولياء من دون المؤمنين ، وأنذرت من يرتد عن دينه من المسلمين ، ومن يتخذ شعائر المسلمين هزوا ولعبا ، ونبّهت إلى مخاطر اليهود على الإسلام ، وأنهم من لعنهم الله وغضب عليهم ، وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت. واليهود هم الذين قالوا يد الله مغلولة ، وأنه فقير يحتاج إلى القروض ، ولو آمن أهل الكتاب وأقام اليهود التوراة ، والنصارى الإنجيل ، يعنى عملوا بهما ، لوسّع الله فى أرزاقهم وبارك فيها. ومن اليهود معتدلون ، وكثير منهم فاسقون ، ولذلك كثرت الرسل إليهم ، ففريقا كذّبوا ، وفريقا قتلوا. ولما جاءهم المسيح كفروا به ، وآمن به النصارى ، ثم كفر النصارى بالله من بعد إيمان ، وقالوا : الله ثالث ثلاثة : الأب ، والابن ، وروح القدس ، وما كان المسيح إلا رسولا قد خلت من قبله الرسل ، وكانت أمه صدّيقة ، صدّقت بكلمات ربّها ، وكانا بشرا يأكلان الطعام كالبشر. وتنهى السورة النصارى عن أن يغلوا فى دينهم ، ويتّبعوا أهواءهم. وتعلن للنبىّ صلىاللهعليهوسلم وأمة الإسلام : أن اليهود