الصدوقيون منها أسفارا. وكان تأليف هذه الأسفار بعد عزرا بزمن طويل ، ومن ذلك سفرا أخبار الأيام ، وسفر الحكمة ، وسفر طوبيا ، والمزامير ، وأسفار الأنبياء. وينسب سفر الحكمة إلى سليمان انتحالا لإضفاء القداسة عليه ، ومؤلفه مجهول ، وفيه من الشواهد أنه مصرى من الإسكندرية ، وكانت الإسكندرية مركزا كبيرا من مراكز اليهودية فى العصور القديمة. ولم يكتب سفر المزامير فى صيغته الحالية إلا فى القرن الثالث ، وبعض المزامير فيه تعود إلى ما بعد السبى ، وليس هناك ما يثبت أن داود هو مؤلفها ، أو أنه من أصحاب الريادة فى هذا النوع من الأدب الدينى ، وإنما هى عادة اليهود أن ينسبوا ما يضعونه هم أنفسهم إلى أسماء لهم كبيرة ليضفوا عليه القداسة. وسفر أيوب لا شك أن له أصلا مصريا ويأتى بعد سفر حزقيال ، ولا شك أنه يستلهمه ، والمظنون أن القصة كلها ملفّقة ، وأنها تضرب كمثل. ولا تتبع أسفار الأنبياء الترتيب الزمنى لظهور الأنبياء ، ولا تضم جميع الأنبياء ، وكل سفر ليس فيه كل النبوة وإنما جزء منها ، والنصوص فيها بلا ترتيب ، وهى مأخوذة من بعضها البعض ، وبها نقص واضح ، الأمر الذى يدل على أن فقرات قد سقطت وأضيفت فقرات. والمظنون أن أسفار دانيال وعزرا وأستير ونحميا مؤلفهم واحد ، ومرجعه فيها أسفار الأخبار والقضاة والملوك ، وربما كان للصدوقيين اليد الطولى فى تأليفها ، ولذلك رفضها الفريسيون ، وتحفل بالأساطير والأخطاء. ولم يحدث أى تقنين لأسفار العهد القديم قبل عصر المقابيين ، وسفر المقابيين مأخوذ من أخبار الملوك وسفر نحميا. والمقابيون هم الذين ألّفوا الأقوال التى تتلى فى الصلوات.
تلك إذن الحال مع التوراة بشهادة سبينوزا اليهودى ، وفى شهادته يؤكد على تحريف التوراة ، وأن هذه التوراة التى بين أيدينا ليست هى توراة موسى ، كما أخبر بذلك القرآن فقال : (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) (النساء ٤٦) ، وقوله : (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) (المائدة ١٣) ، وقوله : (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ) (المائدة ٤١) ، وقوله : (وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ) (البقرة ٧٥). وما كان النبىّ صلىاللهعليهوسلم يعرف هذه الحقيقة ، لأنه ولد نحو سنة ٥٧١ م وتوفى سنة ٦٣٢ م ، وهذه السور السابقة من القرآن نزلت فى المدينة أى بعد ٥٣ سنة من مولده ، يعنى نحو سنة ٦٢٤ ، وكانت التوراة وقت ذلك بالعبرية واليونانية والآرامية والسريانية ، ولم تكن قد ظهرت ترجمة عربية بعد ، وكانت أول ترجمة عربية هى التى توفر عليها سعديا بن يوسف الفيومى المصرى ، وهو من الذين عاشوا فى القرن العاشر الميلادى (ميلاده نحو ٨٩٢ م ووفاته ٩٤٢ م) ، يعنى كان بينه وبين النبىّ صلىاللهعليهوسلم ثلاثة قرون!! وكان يلزم للنبىّ صلىاللهعليهوسلم ليعرف