هذه الحقيقة ويؤكدها فى القرآن ـ لو كان هو مؤلف القرآن كما يقول المستشرقون ـ أن يكون قد قرأ التوراة إما بالعبرية ، أو باليونانية ، أو بالأرامية ، أو بالسريانية ، وأن يكون محيطا بالنقد التاريخى للكتب المقدسة فى اليهودية ، وهو علم بدأ على أوريجينوس وغيره فى الإسكندرية فى القرن الثانى الميلادى ، وكان يكتب باليونانية ، فينبغى للنبىّ صلىاللهعليهوسلم أن يكون قد قرأه بهذه اللغة مع أنه كان أميا! أو كان بدويا يقرأ العربية بالكاد ولا يكتبها ، وفى القرآن عنه صلىاللهعليهوسلم : (ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ) (الشورى ٥٢). يعنى أنه ما قرأ التوراة ، ولا غيره من الكتب السماوية ، وما عرف عن اليهودية ولا المسيحية ولم يعتنق أبا منهما ، فمن أين له العلم بالتحريف إذن؟ وحسبنا الله ، وله الحمد والمنة.
* * *
٥٣٩. اليهود والنصارى لن يرضوا عن الإسلام والمسلمين
اليهود والنصارى توحّدت قلوبهم على التعنيت على الإسلام والمسلمين ، واتفقوا على الكفر ، يقول تعالى : (وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) (البقرة. ١٢) ، فغاية هؤلاء ـ سواء كانوا يهودا أو نصارى ـ هو أن يترك المسلمون دينهم ، ويهجروا شهادة «لا إله إلا الله محمد رسول الله» ، فلا حوار الحضارات يرضيهم ، ولا الآيات كلها تقنعهم ، وإنما هدفهم أن يخففوا من إيمان المسلمين بالتدريج ويقنعوهم بأن يعايشوا الثقافة اليهودية والنصرانية وأن يميلوا إليها وإلى أسلوب الحضارة الأمريكية الأوروبى ، ولو بعض الميل ، فيكون من ثم ميلهم إلى اليهود والنصارى ، فيأخذون بطريقتهم فى الحكم والسياسة والاقتصاد ، وفى الآداب والفنون ، وفى أسلوب الحياة وتناول الأمور ، وينفرون من طريقة المسلمين أهل ملّتهم ، وتسقط بالتدريج عباداتهم. وفى هذه الآية نلاحظ أن الكفر كله سواء من اليهود أو النصارى هو ملة واحدة ، قال تعالى «ملّتهم» ، فوحّد ملّة اليهود وملة النصارى ، وهما فعلا متحدان من حيث الشريعة ، والملة هى الشريعة ، وملة المسلمين تخالف ملة اليهود والنصارى ، فلما تخالفا تباين فعل أتباع هذه الملل فكان اختلاف الديانة ، فالملة هى الشريعة ، والدين هو الطريقة كقوله تعالى : (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) (٦) (الكافرون ٦) ولذا قال النبىّ صلىاللهعليهوسلم : «لا يتوارث أهل ملّتين» أخرجه أبو داود. واليهود والنصارى دعوا المسلمين إلى ما هم عليه : (وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (البقرة ١٣٥) ، وكانت الحنيفية هى ملّة إبراهيم ، والحنيفية هى الملة التى حنفت إلى الحق ، وإلى ما كان عليه إبراهيم. وسمى إبراهيم حنيفا لأنه حنف إلى دين الله وهو الإسلام. والحنف : هو الميل ، ومنه رجل حنفاء ، ورجل أحنف :