اليهود ، وهؤلاء وضعوا هذه الحروف المقطّعة تنبيها إلى بداية السورة ، ولها معناها عندهم ، فقد يكون المعنى : قال محمد ، أو يزعم محمد ، أو بداية كلام ، أو فى المبتدأ ، وهكذا ، فظن العرب أنها من القرآن وثبّتوها فيه!! وقالوا : ربما قصد محمد بها إلى التهويل على القارئ وإرهابه ، أو التعمية عليه!!
والجواب على ذلك : أن النبىّ لم يستعن بأى كاتب يهودى ، وكذلك فإن هذه الحروف المقطّعة لا معنى لها فى أى لغة ، ولا فى العبرية ، وإنما هذه الحروف للتنبيه إلى أن القرآن كتاب من نفس هذه الحروف العربية المقطّعة ومع ذلك كان معجزا ، ولم يستطيعوا محاكاته ولو بسورة مع أنهم ملوك البيان ، وكانت السور تبدأ بهذه الحروف ، ثم بعدها تأتى الآيات تنوّه بالقرآن ، أو تذكّر بآيات الله الكونية ، فكأن الإشارة بهذه الحروف المقطّعة إلى آيات الله المقروءة أولا ، ثم المنظورة ثانيا ، فاشتمال القرآن على هذه الحروف ليس إذن من لغو الكلام كما قال المستشرقون.
* * *
٤٥٦. شبهة أن يكون القرآن قد أسقط بعضه أثناء الجمع
قالوا : إن بعض الآيات فى القرآن تدل على أنه قد أسقط منه شىء ، أو أن النبىّ صلىاللهعليهوسلم أنسى بعض آياته ، بدليل ما جاء فى سورة الأعلى عن ذلك ، وهو قوله تعالى : (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى) (٦) (الأعلى) ؛ أو أن الصحابة حذفوا منه شيئا ، رأوا مصلحة فى حذفه ، ومن ذلك المتعة التى أسقطها علىّ وكان يضرب من يقرأها ـ هكذا قالوا ، ونسبوا إلى عائشة أنها قالت عن علىّ : أنه يجلد على قراءة القرآن ، وينهى عنه ، وقد بدّله وحرّفه ؛ وقيل إن الصحابة الذين كانوا يحفظونه قتل الكثير منهم فى حروب الخلفاء الأولين ، وأن العظام التى كان القرآن مكتوبا عليها ، لم تكن منظّمة ولا مرتّبة ولا مضبوطة وضاع بعضها ؛ وأنه لمّا قام الحجّاج ينصر بنى أمية ، جمع المصاحف وأسقط منها أشياء نزلت فيهم ، وكتب نسخا أخرى وزّعها بدلا من الأولى!!؟
والجواب على ذلك : أن الصحابة كان منهم العدد الكافى الذى يضمن صحة النقل عنهم بالتواتر ، وأن الآية : (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى) (٦) (الأعلى) لا تعنى أنه صلىاللهعليهوسلم نسى ، وإنما المعنى أن ما سيوحى إليه لن ينساه ، وأن النسيان منفىّ عنه قصدا. وأما أن الصحابة حذفوا ما رأوا المصلحة فى حذفه فهذا باطل ، لأن التواتر يمنعه ، والشروط التى كان لا بد أن تتوفر فى الحافظ ، تجعل من المستحيل أن يتصرّف أى صحابى فى شىء ائتمن عليه. وأما آية المتعة فلم يثبت أبدا أنها من القرآن ؛ وما رووه من كلمات قيل إنها من القرآن ونسبوها إلى أبىّ بن كعب ، ثم حذفت مع ذلك ، لم تقم الحجة على أنها كانت من القرآن ، بل إن أسلوبها