الذى صيغت به لا يدل على أنها من القرآن البتة. وكان بعض الصحابة يكتبون لأنفسهم ما يظنون أنه من القرآن ، فإذا راجعوه على أصحابهم تبيّنوا خطأهم وأسقطوه من كتاباتهم. وأما ترتيب الآيات فلم يكن اعتباطا ، وإنما تم توقيفيا ، وأمر به الرسول صلىاللهعليهوسلم ، وحفظه عنه الصحابة وكتبوه ، ولم يكن تصريحهم بأن آية منه فقدت ووجدوها عند خزيمة بن ثابت ، يعنى إمكان أن تضيع آية! فذلك كان مستحيلا ، لأن اعتمادهم أولا وأخيرا على الحفظ ، ولو لم يكن هذا الحفظ ما عرفوا أن إحدى الآيات مفقودة ، وما سعوا إلى البحث عنها. ولم يكن بسبب ضياع بعض الآيات أن قال بعض الصحابة بالنسخ ، فالنسخ مسألة أخرى مختلفة تماما ، وباب مستقل ضمن هذا الكتاب ، فليرجع إليه القارئ. وأما الأقوال عن الحجّاج ، فهى تخرّصات لا أصل لها ولا دليل عليها ، وكيف يتسنّى للحجّاج أن يجمع المصاحف وهو مجرد عامل من عمّال الخليفة على بعض الأقطار؟ وإذا استطاع الحجّاج أن يجمع المصاحف ويغيّر فيها ، فما ذا عن الحفّاظ ، وكيف يفعل بهم ويغيّر ما حفظوه وكانوا يعلّمونه للناس؟ وما ذا يفعل الحجّاج وحده إزاء جموع الحفّاظ فى كل أقطار الإسلام؟
* * *
٤٥٧. شبهة أن يكون القرآن قد زيد فيه عند الجمع؟
قالوا : إن القرآن زيد فيه لمّا جمعه الصحابة ، والدليل على ذلك ، أن ابن مسعود لم يضمّن المعوذتين والفاتحة مصحفه ، فكأنها زيدت عليه ، وهذا الزعم باطل وليس صحيحا ، وقال فيه ابن حزم : هذا كذب على ابن مسعود وموضوع. ولم يقل أحد أن ابن مسعود أنكر الفاتحة ، وكيف ينكرها وهى أم القرآن؟ وهى السبع المثانى التى تثنّى وتكرّر فى كل ركعة من الصلاة؟ ولو أنكرها ابن مسعود فما ذا يضرّ فى ذلك ، وهو واحد ، وشرط صحة ما يدّعيه التواتر والإجماع؟
وقالوا : إن الآية : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) (١٤٤) (آل عمران) من كلام أبى بكر!! ولذلك لمّا قالها أبو بكر عند إعلان وفاة النبىّ قال الراوى : لكأن الناس لم يعلموا أن هذه الآية نزلت ، حتى تلاها أبو بكر يومئذ ، فأخذها الناس من أبى بكر! والآية ليست من كلام أبى بكر وإنما هى من القرآن ، وكان نزولها فى واقعة أحد ، يعاتب بها الله المؤمنين الذين أصابهم اليأس ، وقد ظنوا أن النبىّ صلىاللهعليهوسلم قد قتل ، فكادوا ينصرفون عن القتال. والآية بصياغتها هذه لا يمكن أن تكون من كلام أبى بكر بل من القرآن.
وقالوا كدليل على أن الآية السابقة لأبى بكر ، وأنه من الممكن أن يؤلّف كلاما كالقرآن ويضاف إليه ، أن عمر بن الخطاب أيضا له من العبارات ما صار قرآنا وعدّ من