٤٤٥. الآلوسي وتفسيره «روح المعانى»
الآلوسي ، شهاب الدين السيد محمود بن عبد الله الحسينى ، وينسب إلى جزيرة آلوس فى وسط نهر الفرات على مقربة من بغداد ، فرّ إليها جدّ هذه الأسرة من وجه هولاكو التترى عند ما هاجم بغداد ، وكان ميلاده سنة ١٢١٧ ه ببغداد ، وتوفى بها سنة ١٢٧٠ ه عن عمر يناهز الثالثة والخمسين ، وكان علّامة ، محققا ، واشتغل بالإفتاء ، واشتهر كشيخ لعلماء العراق ، وله مصنفات ، أبرزها كتابه «روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم» ، قيل إنه من أجلّ التفاسير وأوسعها وأجمعها ، وله مفاهيم بطريق العبارة والإشارة ، وكان فيه على نهج السلف ، واهتم بتفنيد دعاوى المعتزلة والشيعة والمذاهب الأخرى ، وقيل لو جمعنا ردوده عليها لاجتمع لنا منها الشيء الكثير ، وردّ على النصارى من أقوالهم ، وفنّد عقائدهم ، وهو ينقل عن التفاسير السابقة وبخاصة البيضاوى ، وابن عطية ، وأبى حيان ، والكشّاف ، وأبى سعود ، والفخر الرازى وغير ذلك ، وغالبا ما يرفض الإسرائيليات ويمحّص الروايات ، ليخليها من أية أباطيل ، فلا تشتمل إلا على حقائق ودقائق ، يجمع بين المنقول والمعقول. ويسمّى رواة الإسرائيليات باسم «أرباب الأحبار» ، وقد يرصد الرواية ولكنه ينقدها فيقول : ويا ليت كتب الإسلام لم تشتمل على هذه الخرافات التى لا يصدقها العاقل لأنها أضغاث أحلام. وفى تفسيره مثلا للآية : (وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ) (١٠٢) (البقرة) ، ينقل مما أخرجه ابن جرير وابن أبى حاتم والحاكم والبيهقى ، عن عائشة أنها قالت : قدمت علىّ امرأة من أهل دومة الجندل تبتغى رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعد موته ، تسأله عن شىء فيه أمر السحر ولم تعمل به. قالت : كان لى زوج غاب عنى ، فدخلت علىّ عجوز فشكوت إليها ، فقالت : إن فعلت ما آمرك أجعله يأتيك. فلما كان الليل جاءتنى بكلبين أسودين فركبت أحدهما ، وركبت هى الآخر ، فلم يكن كشىء حتى وقفنا ببابل ، فإذا أنا برجلين معلّقين بأرجلهما ، فقالا : ما جاء بك؟ فقلت : أتعلّم السحر. فقالا : إنما نحن فتنة فلا تكفرى وارجعى. فأبيت وقلت لا. قالا : فاذهبى إلى ذلك التنوّر فبولى به ... إلى أن قالت : فذهبت فبلت فيه ، فرأيت فارسا مقنّعا بحديد خرج منى ، حتى ذهب إلى السماء ، وغاب عنى حتى ما أراه ، فجئتهما وذكرت لهما ، فقالا : صدقت ، ذلك إيمانك خرج منك! وينبّه الآلوسي فيقول : إن اتهام هذه المرأة أولى من اتهام العقل فى قبول هذه الحكاية التى لم يصحّ منها شىء عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
ولكن الآلوسي مع ذلك قد يعمد إلى إنكار التفسير لظاهر الآية ثم يفسّرها تفسيرا إشاريا ـ يعنى صوفيا ، وفى الآية السابقة ينقل قصة إسرائيلية فى معنى الآية السابقة فقال :