وفى الآية : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ) (١٣) (يس) ، عن ابن عباس وكعب الأحبار ووهب بن منبه ، قال عن القرية : أنها مدينة أنطاكية ، وكان بها ملك يقال له أنطيخس بن انطيخس بن انطيخس ، وكان يعبد الأصنام ، فبعث الله إليه ثلاثة من الرسل هم : صادق ، وصدوق ، وشلوم. وعن وهب بن منبه : كان اسم الرسولين الأولين شمعون ويوحنا ، واسم الثالث بولس ، والقرية أنطاكية.
وأمثال ذلك كان يرويه ابن كثير عن أهل الكتاب وأشباههم ، وكان ينهى كلامه بمثل ما يقول : وهذا الأثر والله أعلم إنما هو مما تلقى من علماء أهل الكتاب ، وهى وقف لا يصدّق منه إلا ما وافق الحق ، ولا يكذّب منه إلا ما خالف الحق ، والباقى لا يصدّق ولا يكذّب. ـ أو كان يقول : وما قصّه كثير من المفسرين وغيرهم فعامتها أحاديث بنى إسرائيل ، فما وافق الحق مما بأيدينا عن المعصوم قبلناه لموافقته الصحيح ، وما خالف شيئا من ذلك رددناه ، وما ليس فيه موافقة ولا مخالفة ، لا نصدقه ولا نكذبه ، بل نجعله وقفا. وما كان من الضرب منها فقد رخّص كثير من السلف فى روايته ، وكثير من ذلك مما لا فائدة فيه ولا حاصل له مما ينتفع به فى الدين ، ولو كانت فائدته تعود على المكلّفين فى دينهم لبيّنته هذه الشريعة الكاملة الشاملة.
* * *
٤٤٤. السيوطى وتفسيره «الدر المنثور»
قيل فى السيوطى : إنه أعلم زمانه بعلم الحديث وفنونه ؛ وقال عن نفسه أنه يحفظ مائتى ألف حديث! وقال : ولو وجدت أكثر لحفظت ، فسمّى الحافظ جلال الدين أبو الفضل ؛ وهو السيوطى لأنه من أسيوط أصلا ، وإن كان قد ولد سنة ٨٤٩ ه بالقاهرة ، واسمه عبد الرحمن بن أبى بكر بن محمد ، وكان شافعيا ، وتوفى أبوه وله من العمر خمس سنوات وسبعة أشهر ، وختم القرآن وهو ابن ثمانى سنين ، وصارت له من المؤلفات ما يزيد على الخمسمائة مؤلف ، وتوفى سنة ٩١١ ه ، وله من العمر ٦٢ سنة. وكان قد وضع كتابا سمّاه «ترجمان القرآن» ، جمع فيه تفاسير النّبىّ صلىاللهعليهوسلم ، عبارة عن بضع عشر ألف حديث ، ما بين مرفوع وموقوف ، فى أربع مجلدات ، فرأى اختصاره ورفع الأسانيد ، والاقتصار على المتون ، وسمّاه «الدر المنثور فى التفسير المأثور».
ومع جلال قدر السيوطى فإنه لم يتحرّ الصحة فيما جمع ، ورصد من الروايات ما ليس بصحيح ، وتطرّق إلى موضوعات قضى فيها ببطلانها. والكتاب جامع فقط يروى تفاسير السلف ، وينقلها من البخارى ، ومسلم ، والنسائى ، والترمذى ، وأحمد ، وأبى داود ، وابن جرير ، وابن أبى حاتم ، وعبد بن حميد ، وابن أبى الدنيا وغيرهم ، ولا يستنكف السيوطى أن يورد