(ص) فذكر قصة وهب بن منبه وأقوال المحققين النافية لتسلّط الشياطين عليه. وفى قصة يوسف فى قوله تعالى : (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها) (يوسف ٢٤) نقل أقوال السلف القبيحة ، وأقوال المحققين المنزّهة. وفى مسألة بلقيس ذكر أن أمرها انتهى عند إسلامها ولا علم لنا بما جرى بعد ذلك ، وأن بعضهم قال إن سليمان تزوجها ، وكره شعر ساقيها ، وأشار عليها البعض بالموسى لإزالته ، وأنها كرهت ذلك ، وسأل الشياطين فنصحوا بالنّورة والحمّام ، فكانت النورة والحمامات من يومئذ ، وأن سليمان تزوّجها بعد ذلك وأحبّها حبا شديدا. فكان مذهب الخازن أن يأتى بالتفاسير وضدها ولا يرجّح أيا منها. وربما كان الخازن لذلك أفضل من غيره الذين اكتفوا بالروايات الفاسدة وتركوا الصحيحة فأضلوا الناس.
* * *
٤٤٣. ابن كثير و «تفسير القرآن العظيم» وأقواله عن أهل الكتاب
لعل تفسير ابن كثير هو الأكثر شيوعا بين الناس ، حتى لا يكاد يخلو بيت مسلم منه فى مصر مثلا ، وفى غير ذلك من بلاد الإسلام ، والكتاب متداول بين المطابع فى العالم الإسلامى كله ، وضعه الإمام الحافظ عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير ، القرشى ، الدمشقى ، الشافعى ، تلميذ ابن تيمية ، وكان مولده سنة سبعمائة أو بعدها ، وتوفى سنة سبعمائة وأربع وسبعين هجرية ، وقبره بمدافن الصوفية خارج باب النصر من دمشق ، وكتابه «تفسير القرآن العظيم» من أجود كتب التفسير بعد تفسير القرطبى ، ومنهجه فيه : تفسير القرآن بالقرآن أولا ، ثم بالسّنّة الصحيحة ، ثم بأقوال السلف ، وهو غالبا ما يسند أحاديثه ويكتفى بالصحيح منها دون الضعيف. ويهتم بالإسرائيليات ويحذّر منها ، وينبّه إلى بطلانها ويعرض عن إيرادها لما تشتمل عليه من أكاذيب ومضيعة للوقت ، إلا أنه كثيرا ما يسرد بعضها ، ولكنه يعقّب عليها بما يفيد بطلانها ، أو لا يعقّب عليها ، ففي الواقع أن كل المفسرين القدامى سواء فيما يخصّ الإسرائيليات ، إلا أن بعضهم قد يورد اللامعقول والخرافى ، والبعض كابن كثير قد يورد ما لا ضرر منه ، فمثلا فى قوله تعالى : (وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى) (٢٠) (يس) ، قال عن ابن إسحاق ، فيما بلغه عن ابن عباس ، وكعب الأحبار ، ووهب بن منبه ، قالوا : إن الرجل الذى جاء من أقصى المدينة يسعى كان اسمه «حبيب» ، وكان يعمل الحرير ، وكان رجلا سقيما قد أسرع فيه الجذام ، وكان كثير الصدقة يتصدّق بنصف كسبه ، مستقيم الفطرة. وعن مجاهد عن ابن عباس قال : صاحب يس هو حبيب ؛ وعن الثورى عن ابن مجلز : اسمه حبيب بن مرّى ، وعن عكرمة عن ابن عباس : اسم صاحب يس حبيب النجّار ، وكان قصّارا وقتله قومه. وعن عمر بن الحكم : كان إسكافا.