النقاد من عيوبه الإغراق فى الإسرائيليات ، فللأسف فإن التأثير اليهودى متمكن من تفكيره الإسلامى. وابن جرير الطبرى بعد أن يذكر إسناده ، كأن يقول حدّثنى موسى بن هارون ، عن أسباط ، عن السدى ، فى خبر ذكره عن أبى مالك ، عن أبى صالح ، عن ابن عباس ، أو عن ابن مسعود ، وعن آخرين من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أنه كان رجلان ... إلخ ، ثم يعقّب : فإن كان ذلك صحيحا ـ ولست أعلمه صحيحا ، إذا كنت بإسناده مرتابا ، فإن القول الذى روى عنهما هو القول ، وإن كان غير صحيح فأولى بتأويل الآية ما قلنا! ـ أو يسوق الطبرى كل الروايات الواردة ، ويعقّب عليها فيقول : إن مثل هذه المرويات لم يرد فيها نص صريح من كتاب أو سنّة ، ففي خبر البقرة التى ضرب ببعضها القتيل فى سورة البقرة الآية ٧٣ ، ذكر أن بعضهم قال إنهم ضربوه بفخذها ، وبعضهم قال بذنبها ، وبعضهم قال بالبضعة بين الكتفين ، ولا شىء تقوم به الحجة على أى أبعاضها أمروا أن يضربوا القتيل به ، وكل أبعاضها جائز ، ولا يضر الجهل بأى ذلك ضربوا القتيل ولا ينفع العلم به. وكذلك فى سورة يوسف الآية ٢٠ يقول : لا خبر عن مبلغ المال الذى شروه به ، وليس فى العلم به نفع ، ولا الجهل به فى ضرر ، ولكن الإيمان بظاهر التنزيل فرض. وأيضا فى الكلمات التى ابتلى بها إبراهيم فى الآية ١٢٤ من سورة البقرة ، يقول : لا يجوز أن ينوّه بكلمات بعينها دون كلمات. وبالمثل فى الآية ٢٤ من سورة يوسف ، فبعد أن يورد الطبرى مختلف الروايات فيها ، ينبّه إلى أن أولى الأقوال فى ذلك بالصواب أن يقال : إن كلا منهما همّ بصاحبه لو لا أن رأى يوسف برهان ربّه ، فيصحّ أنه صورة يعقوب ، أو صورة الملك ، أو آيات الوعيد عن الزنا ، والأصح أن يقال ما قاله الله فى ذلك وترك ما عداه. ومنهج الطبرى ، سواء فى التفسير أو فى التاريخ ـ وكلاهما يتصل بالآخر بأوثق الروابط ، هو الاعتماد على النقل والرواية ، ولا يهمه نقد الرواية وإنما عمله هو أن يؤدّى الرواية كما نقلت إليه ، وذلك هو سبب تردّيه فى حمقة الإكثار من الإسرائيليات ، مع ما فى الكثير منها من الغرائب والخرافات ، ولم يعقب عليها. وهناك روايات عن الأنبياء تتنافى مع عصمتهم ولم يناقشها. كما كانت هناك حكايات لا يقبلها عقل ، كقوله عن وهب بن منبه : إن ثعبان موسى حمل على الناس فمات منهم ٢٥ ألفا! وهو كثير الإسناد للأخبار الكاذبة لابن عباس الذى قال عنه إنه يتلقى عن أهل الكتاب. ومن فرط سذاجة الروايات عن ابن عباس ذهبت الظنون بأصحاب العقول من النقاد إلى أن أهل الكتاب كانوا يضحكون على ابن عباس ويكذبون عليه ، وكان الأحرى بالطبرى وهو المؤرّخ المدقق أن يتحرّى الصواب