يتفاضل الناس ، وأعلاهم مرتبة من كان محسنا ، كقوله تعالى : (وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ) (النساء ١٢٥) ، و «دينا» يعنى إسلاما ، والجواب على هذه الآية يأتى فى الآية الأخرى ، تقول : (بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ) (البقرة ١١٢) ، و «الوجه» هو الذات ، وإسلامها هو درجة الإحسان بعينها ، وهى أرفع درجات الإسلام ، وصاحبها هو الأفضل ، ومن أولى خصاله : أن يسلم المسلمون من لسانه ويده.
وفى رواية أخرى عن عبد الله بن عمرو : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم سئل : أى الإسلام خير؟ قال : «تطعم الطعام ، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف» ، وتلك خصال من خصال المسلم ، ويرتبط الحديثان : حديث سلامة اليد واللسان ، وحديث إطعام الطعام وإفشاء السلام ، فالطعام يستلزم سلامة اليد ، والسلام يستلزم سلامة اللسان. وكان السؤال عن الأفضل أو عن الخير بحسب موضوع السؤال ، فالفضل معناه كثرة الثواب فى مقابلة القلّة ، والخير بمعنى النفع فى مقابلة الشر ، والأول من الكمية ، والثانى من الكيفية ، ولذا اختلف السؤالان. ويدخل فى الإطعام الضيافة وغيرها.
* * *
٤٢٢. المسلم : من هو؟
الذين يقولون إن المسلم هو من يظهر الإسلام وإن لم يعلم باطنه يحتجّون بالآية : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) (الحجرات ١٤) ، فلا يكون مؤمنا بمجرد أن ينطق الشهادتين ، لأنه لم تصدق عليه الحقيقة الشرعية ، لأن الأولى إطلاق اسم المسلم لا المؤمن على من لم يختبر حاله خبرة باطنة ، وما يعلم به الإسلام هو الظاهر وليس الباطن ، والمرء يحكم بإسلامه ويسمّى مسلما إذا تلفّظ بكلمة الشهادة ، ولا يسمّى مؤمنا إلا بالعمل ، والعمل يشمل عمل القلب واللسان والجوارح ، ولا يدل من كل ذلك على صدقه إلا عمل الجوارح لأنه العمل الظاهر.
والذين يقولون الإسلام قول وعمل ، يحتجون بالآية : (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (فصلت ٣٣) ، والدعوة إلى الله من العمل ، والمسلم داعية إلى الله ، ودعوته إليه بالدعوة إلى الإسلام : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) (آل عمران ١٩) ، (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) (آل عمران ٨٥) ، والإسلام هو أن يسلم المرء ذاته لله : (فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ) (آل عمران ٢٠) ، وإسلام الوجه لأن الوجه تعبير عن سائر الذات ، ولأنه أشرف الأعضاء وأجمعها للحواس ،